الحرب العالمية الأولى ـ التعايش الديني في خندق واحد
١٦ ديسمبر ٢٠١٩إنه تقليد يعود لعقود من الزمن: في بلدة إيبرس (Ypern) الصغيرة في غرب بلجيكا يتم منذ 1928 في كل مساء عند الساعة الثامنة وقف حركة المرور بالقرب من النصب التذكاريMenenpoort ، فقوس الشرف المثير للإعجاب في شرق المدينة تم تكريسه للجنود الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولى في صفوف الحلفاء. وفيما بعد تنشد أغنية Last Post وهي أغنية بوق عسكرية يتم عزفها بالأساس في بريطانيا ودول الكومنويلث لإحياء ذكرى جنود الكومنويلث الذين سقطوا في الحرب. وعلى جدران قوس الشرف تم نحت أسماء الجنود الـ 54.607 الذين سقطوا حتى أغسطس 1917 وظلوا بدون قبور عقب المعارك حول بلدة إيبرس. وكان من بين هؤلاء القتلى المئات من المسلمين.
تضامن كبير بين الأديان
وبالرغم من أن 2.5 مليون من المسلمين قاتلوا في الحرب العالمية الأولى لصالح بريطانيا وفرنسا وروسيا فالقليل عنهم معروف. لوك فيريي يريد تغيير هذا الوضع. فهذا البلجيكي أنشأ في 2012 جمعية "الأبطال المنسيون 14 ـ 19" بعدما عثر على يوميات جده من الحرب العالمية الأولى: " تفاجأت بالاحترام الكبير الذي كان يكنه لرفاقه في السلاح المسلمين"، كما يقول فيريي في حديث مع DW. هدف الجمعية هو الكشف عن دور وحجم المسلمين من المستعمرات السابقة، الذين قاتلوا في صفوف الحلفاء، وابراز مدى الوفاء الذي كان سائدا بين الجنود من مختلف الديانات خلال الحرب، حسب تعبيره.
ومع مرور الوقت عثر لوك فيريي ورفاقه على يوميات تشد القلب لجنود مسلمين ومسيحيين ويهود قاتلوا جنبا إلى جنب واحترموا عادات وتقاليد الآخر، وذلك "رغم الظروف الرهيبة التي سادت داخل خنادق ساحات المعارك. وقساوسة وحاخامات وأئمة بذلوا جهودا كبيرة لتعلم العربية والعبرية والانجليزية والفرنسية أو لتأدية طقوس الدفن على الجبهة".
منقذ في الضرورة
وحجم قوام الوحدات من الديانات المختلفة من وجهة نظر عسكرية تبين عندما دخل الجنود الألمان في أغسطس 1914 فرنسا. وحشد الفرنسيون بسرعة جنودا من الجزائر والمغرب وتونس. أما البريطانيون فقد جلبوا وحدات من كافة منطقة الكومنويلث ـ بما في ذلك الهند. وكان بينهم مسلمون وسيخ وهندوس. وفي المقدمة المسلمون الذين شكلوا ربع الوحدات وكانوا منخرطين منذ البداية في المعارك. وأثناء المعركة الأولى حول إيبرس التي استمرت من الـ 20 أكتوبر حتى الـ 18 نوفمبر 1914 وصلوا في الوقت المناسب لدعم الوحدات البريطانية المنهكة. وانطلاقا من هذا التوقيت على أبعد تقدير اعتُبر الجنود الهنود بقبعاتهم وببدلاتهم الملونة أبطالا ومنقذين للجيش البريطاني. وعلاوة على هذا بذل الضباط الجهد لتزويد الوحدات بالطعام حسب شعائر الأكل الدينية. وحتى في الأسر الألماني كان مرحبا بهم. وفي محاولة لجلب السجناء المسلمين إلى جانبهم تم في معسكر اعتقال في بلدة فونسدورف (Wünsdorf ) بالقرب من برلين تشييد أول مسجد.
التعلم من الماضي
وفي الجانب الآخر كانت السلبيات: ففي وطنهم الهند الذي كان يسعى إلى الاستقلال عن بريطانيا كان أولئك الرجال يُعتبرون خونة للقضية الهندية. ويضاف إلى ذلك ويلات الحرب المدمرة، فالجنود الهنود لم يكونوا مستعدين لمواجهة جحيم القذائف والمسدسات الرشاشة والغازات السامة، لذلك فقد منهم حوالي 74 الفا حياتهم في الحرب.
العواقب لمآسي الحرب مازالت ماثلة للعيان حتى يومنا هذا على طول الجبهة الغربية السابقة للحرب العالمية الأولى. والجبهة كانت تمتد على طول 750 كيلومترا من بحر الشمال إلى الحدود السويسرية. وفي غالبية مقابر الجنود الموجودة على طول هذا الخط، يمكن التعرف على قبور المسلمين. وهذا الوضوح في الرؤية يتحول أحيانا إلى شؤم: ففي أكبر مقبرة للجنود في فرنسا Notre Dame de Lorette توجد مقابر 576 جنديا مسلما قبروا في اتجاه مكة. وفي العقود السابقة تعرضت مرارا لتدنيس من قبل معادين للمسلمين.
إن لوك فيريي مقتنع من أن عمله ذا فاعلية ضد الأحكام المسبقة، ودحض وجهات نظر أولائك الذين يدعون بأن "الغرب" و "الاسلام" لا يتوافقان. "ما اكتشفناه هو العكس". وهو يتساءل:" إذا تعايش جنود من مختلف الديانات حينها تحت ظروف رهيبة في الخنادق وساحات المعركة ودعموا بعضهم البعض، فما الذي يمنعنا اليوم من فعل ذلك؟".
ديفيد كروسلاند/ م.أ.م