الكاتب بوعلام صنصال والجزائر: قصة اعتقال بخلفيات سياسية!
٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤على مدار أيام، سادت حالة من الغموض في الجزائر حول مصير بوعلام صنصال. وفي يوم الجمعة الماضي (22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024)، أعلنت السلطات الجزائرية عبر وكالة الأنباء الرسمية أن الكاتب الجزائري-الفرنسي تم اعتقاله في يوم السبت السابق بمطار الجزائر العاصمة. ومع ذلك، لم تكشف السلطات عن أسباب الاعتقال أو مكان احتجازه.
لكن النص الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية لم يكن مجرد بيان عادي؛ بل جاء في صيغة هجوم شديد اللهجة على الكاتب وأطراف في المجتمع الفرنسي، خاصة أولئك الذين يدعمون الدعوات لإطلاق سراحه. وصفت الوكالة بوعلام صنصال بأنه "مثقف زائف تمجده الأوساط اليمينية المتطرفة في فرنسا"، واعتبرت أنه مدعوم من "الدوائر المناهضة للجزائر" داخل البلاد.
بعد ذلك، وسّعت وكالة الأنباء الحديث لتشمل قضايا أوسع نطاقًا. وأشارت الوكالة إلى ما وصفته بـ"فرنسا الماكرونية-الصهيونية"، وهي فرنسا التي تتأثر برئاسة إيمانويل ماكرون والصهيونية، والتي أثارت غضبًا بسبب اعتقال بوعلام صنصال، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية طبعا.
وفي نفس البيان، تساءلت الحكومة الجزائرية، بحسب التقرير، عن مدى قدرة فرنسا على تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد بنيامين نتنياهو إذا ما وطأت قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأراضي الفرنسية.
خلفيات دولية
يبدو أن الكاتب الجزائري، الحاصل على الجنسية الفرنسية أيضًا منذ فترة، وقع في خضم عدة صراعات دولية متشابكة. يقول رشيد عويسة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة غوتنغن لـ DW: "اعتقاله مرتبط بالتوترات المتصاعدة بين فرنسا والجزائر." وأضاف أن الجزائر سحبت سفيرها من فرنسا في يوليو/ تموز من العام الجاري، وهو ما يعكس تصاعد الخلافات بين البلدين.
وأشار عويسة إلى أن هذا النزاع يرتبط بقضية الصحراء الغربية، حيث تدعم فرنسا موقف المغرب، بينما ترفض الجزائر ذلك.
كما أضاف عويسة أن الحكومة الجزائرية قلقة أيضًا بسبب إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة. وترتبط هذه المخاوف باتفاقيات التطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل التي رعاها ترامب خلال فترة رئاسته الأولى (2017-2021). ومنذ ذلك الوقت، ابتعدت الحكومة الجزائرية بشكل ملحوظ عن إسرائيل. ويعتقد الخبير من غوتنغن أن هذا التوتر قد لعب دورًا في اعتقال صنصال أيضًا.
مقابلة مثيرة للجدل
وسط هذه التوترات، أجرى بوعلام صنصال، الحائز على جائزة السلام من اتحاد الناشرين الألمان لعام 2011، مقابلة مع قناة "Frontières" على يوتيوب، وهي قناة تُعتبر قريبة من الأوساط اليمينية المتطرفة. في هذه المقابلة، أعرب صنصال عن شكوكه حول شرعية الحدود التاريخية للدولة الجزائرية. وأشار إلى أن جزءًا من الأراضي الجزائرية، من وجهة نظر تاريخية، يعود إلى المغرب.
واعتبرت وسائل إعلام فرنسية، مثل صحيفة Libération*، أن هذه التصريحات كانت السبب الرئيسي وراء اعتقاله.
لكن الكاتب الجزائري-الفرنسي كمال بن شيخ رفض صحة تصريحات صنصال، موضحًا أن زميله يفتقر إلى المعرفة الكافية بالتاريخ. وأكد بن شيخ، في حديثه مع DW، أن النص الذي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية يظهر استمرار الحكومة الجزائرية في شيطنة المعارضين.
وقال بن شيخ: "المصطلحات المستخدمة في النص ليست جديدة، وهي موجهة بالدرجة الأولى إلى المجتمع الجزائري نفسه." وأضاف أنه يشارك حاليًا في إنشاء لجنة لدعم بوعلام صنصال.
يرى الكاتب نجم والي، نائب رئيس برنامج "الكتاب في السجن" التابع لرابطة الكتاب الدولية PEN في ألمانيا، الأمر بشكل مشابه. وأوضح والي في تصريحاته لـDW أن تصريحات بوعلام صنصال والمكان الذي أُجريت فيه المقابلة كانا على الأرجح استفزازًا ليس فقط للحكومة الجزائرية، ولكن أيضًا للمجتمع الجزائري. وأضاف: "لكن ذلك بالطبع لا يبرر الاعتقال."
ناقد شجاع
منذ صدور روايته الأولى عام 1999 بعنوان "قسم البرابرة" (Le Serment des Barbares)، يُعتبر بوعلام صنصال أحد أبرز الكتاب في الأدب الجزائري المعاصر. من خلال أعماله الروائية المعقدة التي تعتمد على تقنيات السرد الحديثة، تناول صنصال باستمرار القضايا الشائكة في الجزائر، مثل الفساد، وسوء استخدام السلطة، وعدم المساواة الاجتماعية، بالإضافة إلى نقده للإسلام السياسي.
تتناول الرواية، على سبيل المثال، الحرب الأهلية الكارثية التي أعقبت إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في ديسمبر 1991، والتي كانت تشير إلى فوز وشيك للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
من خلال انتقاداته الحادة، أصبح بوعلام صنصال شخصية غير مرغوب فيها لدى الحكومات الجزائرية والإسلاميين على حد سواء. ورغم ذلك، اختار البقاء في الجزائر.
وفي كتابه "قرية الألماني" (Le Village de l'Allemand*)، أقام صنصال مقارنة بين إرهاب النظام النازي والعنف الذي يمارسه الإسلاميون. وفي عام 2019، أيد حركة الاحتجاج الشعبية "الحراك"، التي قادها بشكل كبير الشباب، وأسفرت عن استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. من الجدير بالذكر أن أعمال صنصال ممنوعة من التداول في الجزائر.
رسالة تحذيرية داخلية
يأتي اعتقال بوعلام صنصال في سياق حملة قمع واسعة تستهدف الصحفيين والكتاب. مؤخرًا، حُظر في الجزائر نشر رواية "الحوريات" أو "الحور العين" للكاتب الجزائري كمال داود، التي لم تُترجم بعد إلى الألمانية. في روايته، كما في عمل صنصال الأول، يعالج كمال داودالعنف الذي اجتاح الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.
أوضح الكاتب نجم والي أن هذا النهج القمعي شائع في أجزاء واسعة من العالم العربي قائلاً: "عندما يعبّر كاتب عن رأي لا يعجب الحكومة، تُتهم تصريحاته بالخيانة، بغض النظر عن مدى صحتها. وهذا بالطبع يضع الكاتب في موقف صعب للغاية."
كما أضاف كمال بن شيخ أن اعتقال صنصال يظهر تصميم الحكومة الجزائرية، قائلاً: "الرسالة التي تريد الحكومة إيصالها واضحة: إذا كان بإمكاننا اعتقال كاتب مشهور عالميًا، فإننا بالتأكيد قادرون على التعامل مع أي معارضة داخلية أخرى".
أعده للعربية: علاء جمعة