انتخابات مبكرة.. هل تخرج ألمانيا من أزمتها السياسية؟
١٦ ديسمبر ٢٠٢٤بعد انهيار الائتلاف الحكومي وخسارة حكومة المستشار أولاف شولتس أغلبيتها البرلمانية، دخلت ألمانيا في أزمة سياسية دفعت المستشار أولاف شولتس إلى الطلب من البرلمان التصويت على الثقة بحكومته. وكما كان يهدف شولتس تم حجب الثقة عن حكومته في جلسة البرلمان التي عقدت يوم الاثنين 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024، والآن سيقترح المستشار على رئيس الدولة حل البرلمان والدعوى لإجراء انتخابات جديدة مبكرة.
لدى الرئيس الألماني مهلة 21 يوما ليحل البرلمان ويدعو إلى إجراء انتخابات جديدة ويحدد موعدها، لكن بما أنه يعلم بذلك من قبل فقد أخبر قبل عدة أسابيع رؤساء الكتل النبايية للاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي وحزب الخضر، بأن موعد الانتخابات المبكرة هو 23 شباط/ فبراير القادم.
في الحالة الطبيعية تجرى الانتخابات التشريعية في ألمانيا كل أربع سنوات، لكن في الأزمات السياسية حين يفقد المستشار الأغلبية البرلمانية، يمكن إجراء انتخابات مبكرة، وهي نادرة جدا في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، لكنها أداة ديمقراطية مهمة لاستعادة وتعزيز شرعية الحكومة وقدرتها على التصرف، وهي تحتاج لموافقة العديد من المؤسسات الدستورية وخاصة رئيس الدولة.
الانتخابات المبكرة ممكنة في حالتين
حسب الدستور الألماني (القانون الأساسي) لا يمكن للمستشار ولا لنواب البرلمان أن يقرروا بأنفسهم إجراء انتخابات مبكرة. إذ أن الدستور ينص على حل البرلمان في حالتين: الأولى هي عدم حصول المستشار بعد انتخابه على أغلبية أصوات النواب، أي النصف زائد واحد. وهذا لم يحصل حتى الآن.
أما الحالة الثانية فهي حين يطلب المستشار من البرلمان التصويت على الثقة. وهو ما يسمح له بمعرفة ما إذا كان يتمتع بالدعم اللازم في البرلمان أم لا. فإذا صوتت أغلبية النواب لصالح حجب الثقة، يمكن لرئيس الدولة أن يحل البرلمان خلال 21 يوما بناء على اقتراح من المستشار ويدعو لانتخابات جديدة. لكن يمكن أيضا للمستشار بعد حجب الثقة أن يستقيل أو أن يبقى في منصبه على رأس حكومة أقلية.
ثلاثة انتخابات مبكرة حتى الآن
بعد حل البرلمان يجب إجراء انتخابات جديدة خلال 60 يوما. أما تنظيم هذه الانتخابات فهو من مسؤولية وزارة الداخلية ومفوضية الانتخابات الاتحادية. ولكل ناخب صوتان، واحد لانتخاب مرشح مباشر، والصوت الثاني لاختيار قائمة انتخابية محلية. وخلال تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية تم إجراء ثلاثة انتخابات مبكرة حتى الآن في أعوام: 1971 و1983 و2005.
فيلي براندت وأول انتخابات مبكرة
عام 1972 دفع المستشار الاشتراكي آنذاك فيلي براندت سياسته تجاه أوروبا الشرقية وتعزيز العلاقات معها إلى الأمام، وكان ذلك مثار جدل كبير داخل ألمانيا، وأثار خلافا كبيرا داخل الائتلاف الحكومي الذي كان يضم الحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، فانسحب الأخير من الائتلاف، وفقدت الحكومة أغلبيتها البرلمانية.
وقد أدى ذلك إلى جمود سياسي، فكان على المستشار براندت أن يبحث عن مخرج، وصرح في الـ 24 من يونيو / حزيران 1972 بأنه من حق المواطنين "ضمان عدم حدوث جمود تشريعي"، وأضاف بأنه يزداد خطر "فشل المعارضة في التعاون البناء بشكل أساسي، لذلك أعلن أننا نسعى إلى إجراء انتخابات جديدة".
ومن أجل ذلك كان على براندت طرح الثقة بحكومته أمام البرلمان، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة، حتى من قبل خبراء في القانون الدستوري، رأوا أن تعمد طرح الثقة وفقدانها، لا يتوافق مع روح الدستور. لكن براندت بقي على موقفه وطرح في العشرين من أيلول/ سبتمبر 1972 الثقة بحكومته أمام البرلمان، وكما كان يتمنى تم حجب الثقة عن الحكومة. ومهد ذلك الطريق أمام حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، والتي فاز فيها براندت وحزبه من جديد، حيث حصل الحزب الاشتراكي على 45,8 بالمائة من الأصوات. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 91,1 بالمائة، وهي أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية الاتحادية حتى الآن.
بعد التغيير.. تعزيز الثقة بحكومة كول
عام 1983 قاد هلموت كول البلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة للمرة الثانية. في أكتوبر/ تشرين الأول 1982 أصبح هلموت كول من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي مستشارا لألمانيا، بعد حجب البرلمان الثقة عن حكومة المستشار الاشتراكي هلموت شميدت، وقد سحبت الأغلبية البرلمانية الثقة من شميدت بسبب الخلاف معه حول سياسته الاقتصادية والأمنية.
وبما أن كول قد أصبح مستشارا نتيجة حجب الثقة عن الحكومةالسابقة وحصوله على تأييد نواب الاتحاد المسيحي والحزب الليبرالي، أراد أن يعزز شرعيته من خلال انتخابات جديدة مبكرة. لذلك طرح الثقة في حكومته وقد خسر التصويت على الثقة في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 1982 كما أراد وبشكل متعمد كما فعل قبله براندت. وقال كول آنذاك "فتحت الطريق أمام انتخابات جديدة، من أجل استقرار الحكومة والحصول على أغلبية برلمانية واضحة".
بعض نواب البرلمان لم يقبلوا ذلك وأقاموا دعوى أمام المحكمة الدستورية التي حكمت لصالح كول، لكن وفي نفس الوقت أكدت المحكمة أن مسألة طرح الثقة مسموح بها حين تكون هناك أزمة "حقيقة". وقد فاز كول في الانتخابات المبكرة التي أجربت في السادس من آذار/ مارس 1983.
إصلاحات مثيرة للجدل وخطأ حسابات المستشار شرودر
أما الانتخابات المبكرة الثالثة في ألمانيا عام 2005 فكان المستشار الاشتراكي آنذاك غيرهارد شرودر هو المسؤول عنها. حزب شرورد الاشتراكي الديمقراطي وحليفه في الائتلاف الحكومي حزب الخضر، كان عليهما التعامل مع سلسلة من الهزائم في انتخابات الولايات وتراجع الدعم له في البرلمان الاتحادي، وخاصة لبرنامجه الإصلاحي "أجندا 2010" الذي غير النظام الاجتماعي وسوق العمل بشكل كبير. فطرح شرورد الثقة بالحكومة على البرلمان في الأول من يوليو/ تموز 2005، وخسر التصويت كما أراد ومهد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية مبكرة للمرة الثالثة في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية.
وقال شرورد آنذاك "إنني مقتنع تماما بأن أغلبية الألمان تريدني أن أتابع هذا الطريق. ولكن فقط من خلال انتخابات جديدة يمكن أن أحصل على الوضوح اللازم". لكن حسابات شرودر كانت خاطئة، فخسر الانتخابات المبكرة التي أجريت في 18 أيلول/ سبتمبر 2005، والتي فاز فيها الاتحاد المسيحي المكون من حزبي: الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، بفارق بسيط جدا، وأصبحت أنغيلا ميركل مستشارة ألمانيا ورئيسة ائتلاف حكومي شكلته مع حزب سلفها غيرهارد شرورد الاشتراكي الديمقراطي، وبقيت ميركل في منصبها 16 عاما.
أعده للعربية: عارف جابو