اندلاع الفوضى في لبنان ـ هل بدأ الحريق؟
٢٥ يناير ٢٠١١دخل لبنان مرة أخرى نفق الأزمة، فبعد سقوط حكومة سعد الحريري، وترشيح رئيس وزراء لبنان الأسبق نجيب ميقاتي المدعوم من ائتلاف يقوده حزب الله لتشكيل حكومة جديدة، اندفع أنصار الحريري من تيار المستقبل إلى شوارع طرابلس وشوارع بيروت وهاجموا بعض مكاتب الإعلام وكذلك فريق الفضائية العربية الذي يقوم بالتغطية كما احرقوا سيارة البث الخاصة بفضائية الجزيرة. وفي طرابلس تحولت الاحتجاجات إلى مواجهات مسلحة حين هاجم مسلحون من تيار المستقبل مكتب الوزير محمد الصفدي، وهو من أبرز رموز مدينة طرابلس، واحرقوه. وفي ظل هذه التداعيات صدر بيان عن الرئاسة اللبنانية يقضي بتكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة رسميا. دويتشه فيله تابعت التطورات وحاورت خبير الشأن اللبناني هايكو فيمن، الباحث في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين.
دويتشه فيله: كيف تفسر التصعيد الذي يقوده أنصار تيار المستقبل؟ بمعنى إلى ماذا يهدف هذا التصعيد؟
هايكو فيمن: من الصعب الحكم في هذا الوقت المبكر، فهل هي أعمال فردية تعبر عن غضب أو تعصب عناصر تيار المستقبل، أم أنها أعمال منظمة؟ وإذا افترضنا جدلا أن قيادة 14 آذار لا تمانع تجاه تصرفات كهذه، فهذا يعني أنهم يقولون: إن لم تدعونا نحكم البلد فهذا ما سيحدث، وهذا في تقديري تكرار لما فعله حزب الله قبل عامين. وهذا يدعو للتساؤل! إذ كيف يقوم تيار المستقبل بهذه الأعمال وكان حتى الأمس القريب حزب الحكومة.
هل يسجل تغيير الحكومة نصرا لحزب الله ومن ورائه إيران؟
يمكن القول إن تكليف نجيب ميقاتي رسميا بتشكيل الحكومة هو نصر أولي لحزب الله، لكن النصر الفعلي سيكون في حالة نجاح ميقاتي في تشكيل حكومة إجماع وطني، وهذا يعني بمشاركة أو على الأقل بموافقة الحريري. وإذا قامت هذه الحكومة بإلغاء التعاون مع المحكمة الدولية، فإن قرارا كهذا سيستند على شرعية سياسية واسعة. وبالمقابل فإن قيام حكومة مشكلة من قوى 8 آذار وبعض الحلفاء باتخاذ قرار يلغي هذه التعاون سيعني أن سيتمتع فقط بشرعية مشكوك فيها، لأن الأمر هنا لن يكون قائما على قاعدة إجماع وطني واسع.
بعد أن فشلت المبادرة السعودية السورية للوساطة، هل تعتقد أنه يمكن لأوروبا، فرنسا مثلا، أن تقوم بجهد لإخراج البلد من الأزمة؟
صعب أن يتصور المرء مثل هذا الدور، فالسعودية وسوريا هما المرجعان الصالحان، رغم أنني لا أود أن استخدم هذا الوصف في هذا المجال لأن من المفترض أن تكون المؤسسات اللبنانية هي المرجع الصالح لحل الأزمة اللبنانية. ولكن على أرض الواقع نجد أن سوريا ليست وحدها، إذ تقف وراءها إيران وكذلك السعودية التي تقف وراءها أمريكا أكثر من أوروبا، فإذا كانت هذه الأطراف كلها قد فشلت فلا أستطيع أن أتخيل دورا أوروبيا في حل الأزمة. وسعد الحرير يعرف أن من الصعب الاعتماد على موقف أوروبي في هذا الصدد لاسيما وأن مثل هذا الموقف قد يجعله يتخلى عن المطالب بشأن المحكمة الدولية.
ما هي الحلول الممكنة في رأيك؟
لا أرى حلولا بالفعل. فمن الصعب على الرئيس الحريري التنازل عن المحكمة الدولية، فهو أقوى زعيم للسنة في لبنان، و هو يسعى أن يبقى في موقع الرئيس الأوحد للسنة، كما أن رفيق الحريري هو أبوه وقد كان رمزا لموقع الطائفة السنية في البلد، فكيف يمكن أن يتنازل الحريري عن دم أبيه وعن موقعه السياسي والمذهبي. تغيير موقف الحريري في تقديري صعب جدا، لاسيما وأن الأمريكيين يقولون له يجب أن تبقى على موقفك بشأن المحكمة الدولية وهذا يزيد من تعقيد الأمور.
كيف يمكن أن يتعامل الجوار مع التغيير الجديد؟
أعتقد أن الجوار العربي سيستمر على محور محاولة الوصول إلى تسوية ما، فحزب الله مصر على إلغاء المحكمة الدولية، ولسوء الحظ لا توجد وسيلة لإجباره على تغيير هذا الموقف. فهو يملك السلاح وله اليد الطولى في لبنان ولا أحد يريد أن يدخل لبنان ويخوض مواجهة ضد حزب الله. لذلك لابد من تسوية ما تمكن الحريري من الانسحاب من الحكمة- وهذا لا يعني إني أدعو إلى إلغاء المحكمة- لكن عدم وجود قوة تجبر حزب الله على احترام قرارات المحكمة يجعل التسوية، في هذا الملف، المخرج الوحيد من الأزمة.
أما إسرائيل فإن كلا الحالين يرضيها، فإذا وصل حزب الله إلى السلطة فسوف تستمر المحكمة وتصدر قراراتها غيابيا باعتبار حزب الله حركة إرهابية ساهمت في اغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة الشرعي المنتخب في لبنان، وهذا سيعطي إسرائيل الذريعة للاستمرار بالتسلح ومواجهة الموقف الدولي بمخاوفها من دولة يشارك في حكمها تنظيم تصفه بدعم من قرار دولي بأنه تنظيم إرهابي.
أجرى الحوار ملهم الملائكة
مراجعة: أحمد حسو
هايكو فيمن، خبير في الشأن اللبناني في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين. أقام فترة طويلة في بيروت كصحفي وباحث في المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، ثم شغل منصب نائب مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول التابعة لحزب الخضر الألماني في منطقة الشرق الأوسط قبل أن يعود إلى برلين.