توقعات بشتاء قاس.. هل أوروبا على شفا أزمة غاز جديدة؟
٤ ديسمبر ٢٠٢٤ارتفاع أسعار الغاز في الأسابيع الأخيرة أعاد بعض الذكريات السيئة لتجار الطاقة الأوروبيين - والحكومات. لا تزال الأذهان تتذكر المشاكل التي ضربت أسواق الطاقة في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022. ومع سعي القارة جاهدة لإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي، ارتفعت الأسعار بشكل كبير.
وفضلا عن تأجيج التضخم الذي كان بالفعل مفرطا، فقد أثار الأمر مخاوف بشأن احتمالية حدوث انقطاعات في التيار الكهربائي. كما أن الأسعار المرتفعة بشكل مستمر تسببت في مشاكل للصناعات التي تستهلك الكثير من الطاقة، مما أدى إلى إغلاق بعض المصانع وفقدان وظائف.
بيد أنّ أوروبا نجحت في نهاية المطاف في تجاوز فصلي الشتاء الماضيين، وذلك بفضل الطقس الذي كان أكثر اعتدالًا مما كان متوقعًا، وهو ما ساعد على تقليل استهلاك الطاقة. ومع ذلك، فإن البداية الباردة لشهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم ساهمت في ارتفاع جديد في أسعار الغاز الطبيعي.
وصلت الأسعار إلى ذروتها في الشهر الماضي، حيث بلغت حوالي 49 يورو (51.6 دولارًا) لكل ميغاواط/ساعة في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من عام.
هل المخاوف لها ما يبررها؟
أدى الطقس البارد إلى زيادة استخدام التدفئة، وبالتزامن مع انخفاض سرعات الرياح في شمال أوروبا وتراجع إمدادات الطاقة المتجددة، ارتفع الطلب على الغاز.
مع ذلك، تبقى الأسعار أقل بكثير من المستويات القياسية التي شهدتها خلال عام 2022، خصوصًا مع انخفاض الطلب العام على الغاز منذ ذلك الحين. ويمكن أيضًا تفسير الصدمة جزئيًا بحقيقة أن أسعار الغاز طوال عام 2024 كانت أقل بشكل كبير مقارنة بأي وقت منذ بدء الحرب في أوكرانيا.
وقال بيتراس كاتيناس، محلل الطاقة في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA)في حديث مع DW: " لقد ارتفعت الأسعار بنحو 40% منذ منتصف سبتمبر/ أيلول، لذا فهي قفزة كبيرة على نحو مفاجئ."
وأثارت إمكانية مواجهة شتاء أكثر برودة مخاوف من أن المخزون، الذي كان عند أقصى حد له حتى وقت قريب، قد يستنفد مؤديا إلى ارتفاع دوري في الأسعار.
ومع ذلك، يقول بيتراس كاتيناس إن قبضة روسيا على السوق الأوروبية قد ضعفت بشكل كبير منذ عام 2022، وإن الحديث عن "أزمة" مبالغ فيه. ويضيف: "لا يمكنني أن أسميها أزمة، خاصة إذا قارنا ما حدث بالفعل في عامي 2022 و2023".
ويتابع كاتيناس أنّ "أغلب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لم تعد تعتمد على الغاز الروسي بشكل كبير".
ماذا عن الغاز الروسي؟
لكن لا تزال التساؤلات حول الغاز الروسي تؤثر على المشهد العام. إذ لم تعد روسيا ذلك الوحش كما كانت سابقًا فيما يتعلق بإمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي. فقد انخفضت حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب الذي تستورده الدول الأعضاء من 40% من الإجمالي في عام 2021 إلى حوالي 9% في عام 2023.
ومع ذلك، وفقًا لبيانات حديثة من مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA)، فإن ارتفاع واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي (LNG) إلى الاتحاد الأوروبي يعني أنه لا يزال يشكل 18% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، بزيادة تقارب 5% عن عام 2023.
لكن الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب يبدو أنه يقترب من نهايته. فقد أوقفت النمسا، وهي واحدة من آخر الدول الأوروبية التي كانت لا تزال تتلقى الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا، استقبال الغاز الروسي بعد نزاع قانوني مع شركة "غازبروم" الروسية المملوكة للدولة.
وبينما لا تزال سلوفاكيا والمجر تتلقيان الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، تشير جميع الدلائل إلى أن هذا الترتيب سينتهي في نهاية عام 2024. فالاتفاقية المبرمة لمدة خمس سنوات بشأن نقل الغاز بين شركة "غازبروم" الروسية والشركة الأوكرانية الحكومية "نفطوغاز" لنقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية ستنتهي بنهاية هذا العام، وتقول كييف إنها لن تجددها.
على الرغم من أن خط أنابيب "توركستريم" سيظل يزود المجر بالغاز، فإن توقف التدفقات عبر أوكرانيا ستضغط على دول وسط أوروبا للبحث عن مصدر بديل للإمدادات.
ويتوقع بوريس دودونوف، رئيس مركز دراسات الطاقة والمناخ في مدرسة كييف للاقتصاد، أن ينتهي اتفاق نقل الغاز لأن "أوكرانيا ليس لديها مبرر اقتصادي لتجديد هذا العقد".
في مقابلة أجراها مع DW، أشار بوريس دودونوف إلى إمكانية إبرام نوع من الاتفاق البديل. وقال: "لا يمكننا استبعاد وجود أي اتفاقات خفية أو فساد"، وأضاف أن الاتحاد الأوروبي نفسه قد يقوم بالضغط للحفاظ على تدفق الغاز من أجل تجنب نقص محتمل في دول مثل سلوفاكيا والمجر.
ومن اللافت للنظر أنه على الرغم من كل ما حدث في السنوات الثلاث الماضية، لا يزال الاتحاد الأوروبي هو أكبر زبون لدى روسيا في قطاعي الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال. ففي أكتوبر/ تشرين الأول، اشترى الاتحاد الأوروبي 49% من إجمالي صادرات روسيا من الغاز الطبيعي المسال و40% من إجمالي صادراتها من الغاز عبر خطوط الأنابيب.
هل يحل الغاز المسال المشكلة في النهاية؟
منذ أن تم تخفيض الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا إلى حد كبير في عام 2022، أصبح الغاز الطبيعي المسال (LNG) أكثر أهمية لكلا الطرفين. إذ ارتفعت كميات الغاز الطبيعي المسال الروسي الواردة إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة تقارب 15% حتى الآن هذا العام.
ويؤكد دودونوف أن أوروبا لا تحتاج إلى أي غاز روسي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، نظرًا للقدرات الجديدة في إنتاج الغاز الطبيعي المسال القادمة من الولايات المتحدة. ويتوقع أن الرئيس الأمريكي القادم، دونالد ترامب، سيزيد من إنتاج الغاز الطبيعي المسال، ويعتقد أن أوروبا قد تكون مهيأة لإبرام صفقة كبيرة لتجارة الغاز مع الولايات المتحدة.
أمّا إد كوكس، رئيس قسم الغاز الطبيعي المسال العالمي في شركة "ICIS" المستقلة لتوفير بيانات السلع الأساسية، فيشير إلى أن الغاز الطبيعي المسال يمثل الآن 34% من إجمالي حصة الغاز في أوروبا منذ الغزو الروسي في عام 2022، أي ضعف ما كان عليه قبل ذلك.
ويضيف كوكس أن تحول أوروبا إلى الغاز الطبيعي المسال جعلها أكثر عرضة لضغوط الأسعار العالمية. ويقال لـ DW: "أوروبا أصبحت أكثر ارتباطًا بأساسيات السوق العالمي من أي وقت مضى"، رغم انخفاض الطلب الأوروبي الإجمالي على الغاز بحوالي 20% مقارنة بالفترة التي سبقت الغزو، بسبب ارتفاع الأسعار، والطقس الأكثر دفئًا من المتوقع، وزيادة قدرة الطاقة المتجددة.
ويرى كوكس أنه في حال مجيء شتاء بارد وانتهاء اتفاقية نقل الغاز عبر أوكرانيا، ستظل أوروبا قادرة على تلبية احتياجاتها من الغاز من خلال الغاز الطبيعي المسال (LNG).
ومع ذلك، سيأتي ذلك مصحوبا بمخاطر ارتفاع الأسعار بشكل كبير حيث لن تزداد الإمدادات على نحو كبير على المدى القصير. ويقول: "ستحصل أوروبا على ما تحتاجه من الغاز الطبيعي المسال إذا احتاجت إليه. لكن ذلك قد يعني أن على أوروبا دفع أسعار أعلى للتنافس مع الطلب الآسيوي".
ويضيف كوكس أن ارتفاع أسعار الغاز لإعادة ملء خزانات الغاز بعد الشتاء سيكون له تأثير متواصل على شتاء 2025 وما بعده، قائلا: . "الأمر لا يتعلق بما إذا كان لدينا ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال أو الغاز، بل يتعلق بتداعيات الأسعار".
أعده للعربية: صلاح شرارة