رشا حلوة: نساء يرتبطن عاطفيًا برجال أصغر منهنَ سنًا
٢٨ فبراير ٢٠١٨من "المألوف" أكثر في عالمنا عامّة، أن ترتبط النساء عاطفيًا برجال يكبرونهنَ سنًا؛ جارنا أكبر من زوجته، جدّك أكبر من جدّتك، وغالبًا أخاك سيتزوج امرأة تصغره سنًا، هذه "الحقائق" المتعلّقة بفرق العُمر، وأي من الزوجيْن "من المفترض" أن يكبر سنًا الآخر، هي واضحة: الرجل أكبر سنًا من المرأة، وإن سمعنا عن امرأة ارتبطت عاطفيًا برجل يصغرها سنًا، من سنة ولغاية 10 سنوات مثلًا، سيتفاجأ البعض ويستغرب، ولربما، س يتحفظ أو يعترض البعض على هذا الحبّ.
في كثير من الأحيان أيضًا، إذا عُلم عن امرأة مرتبطة عاطفيًا برجل يصغرها سنًا، فإنها ستتعرض إلى السخريّة. هل نسينا الصّبوحة؟ هنالك مستويات عديدة لسخرية البعض من الصّبوحة؛ نهج حياتها، حبّها المستمر للحياة وللحبّ، ارتباطاتها العاطفيّة العديدة، إلخ.. بالإضافة إلى أنها في كثير من الأحيان ارتبطت عاطفيًا برجال أصغر منها سنًا. لما السخريّة؟ وما هو الشيء الذي يضعضع ويهزّ المنظومة الاجتماعيّة في أن ترتبط امرأة عاطفيًا برجل يصغرها سنًا؟ لماذا "مألوف" و"مقبول" أكثر أن يرتبط الرجل بامرأة تصغره سنًا وليس العكس؟ بما معناه، شو المشكلة؟
عن هذا تقول سوار: "أنا أكبر من شريكي بعام واحد، ليس فرقًا كبيرًا، لكن مع ذلك، لم تلقى هذه الحقيقة استحسان البعض. على المستوى الاجتماعيّ، الأمر له علاقة بالمنظومة الأبويّة الذكوريّة المبنيّة على سلطة الرجل على المرأة".
أمّا إيناس، فتواصل هذه الفكرة، وتقول: "في مجتمعاتنا، من المقبول والمألوف أن تكون المرأة أصغر سنًا، بل تشجّع مجتمعاتنا هذا الأمر، وقد يكون معيبًا ومرفوضًا أن تكون المرأة أكبر سنًا من الرجل. هذا انعكاس لمنظومة الوصايّة والأبويّة والسلطويّة التي تعاني منها المجتمعات، فعقد الزواج هو عقد وصاية الرجل على المرأة غالبًا، فمن الملائم أكثر أن يكون وصيًا على امرأة رجلًا أكبر منها سنًا، عدا على أن هذه المنظومة متأصلة في أذهان معظم النساء، فهي تبحث عن معيل ووصي وفي معتقدها تتوفّر هذه في رجل أكبر منها".
بالتأكيد أن الرّفض في كثير من الأحيان لعلاقة امرأة مع رجل يصغرها سنًا هو أيضًا ذاتيّ/ فرديّ، أي نساء يرغبن في أن يرتبطن برجال أكبر منهن، ولا يفكر الرجال بالارتباط عاطفيًا بنساء أكبر منهم سنًا، وفي كثير من الأحيان، هي أسئلة وصراع تعيشه امرأة تجاه رجل أصغر منها سنًا، متعلّقة بأمور عديدة تخصها هي بالطبع؛ مشاعرها وشكل حياتها واختياراتها، إلخ..
لكن هذه الأسئلة هي أيضًا امتدادًا للمنظومات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي نعيش في ظلّها، التي حوّلت شكل العلاقات وارتباطها بالأجيال، ومن يجب أن يكون أكبر جيلًا من الآخر، إلى "مألوفة".
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن عدم التطرق إلى العامل البيولوجيّ، وإلى مسألة خصوبة النساء وعلاقتها مع جيلهن، مع التشديد على رفض فكرة توظيف المرأة بمسألة الخصوبة فقط ودورها الاجتماعيّ في هذا السياق، إلّا أنه يلعب دورًا في الموضوع الذي نطرحه، وارتباط النساء أكثر برجال أكبر منهن سنًا، له علاقة ما بهذا الجانب، عن هذا تقول سلوى: "الرفض ربما يعود لسبب بيولوجيّ، بأن خصوبة المرأة تقلّ مع تقدّمها في الجيل، رغم أن هذا أيضًا مبني على دور اجتماعيّ تمامًا، فيروّج المجتمع لنموذج المرأة الصّغيرة مع الرجل الأكبر سنًا لضمان أطول فترة خصوبة بينهما".
يحدث أحيانًا بالرّغم من ظروف عديدة صعبة ورفض قاسٍ من كل حدب وصوب، أن ينتصر الحبّ، صح؟ حتى لو مؤقتًا، لكن لنحسبه انتصارًا، بما في ذلك ضمن سياق الارتباط العاطفيّ لنساء مع رجال يصغرهنَ سنًا، وبالرّغم من الصّراعات الذاتيّة التي يمرّ بها الزوجيْن؛ المرأة والرجل، وبالرّغم من الامتعاض الاجتماعيّ، وكل الأفكار المسبقة التي تحيط قصّة حبّ بين رجل أصغر سنًا من حبيبته، هنالك قصص حبّ جميلة شقّت طريقها كما تشاء، نجاحها أو جمالها ليس شرطًا أن يكون له علاقة مباشرة مع مسألة الجيل، بالطبع هنالك أسباب عديدة، لكن قصّة الحبّ حققت ذاتها لأنها لم تعطي أيّ اهتمام لمسألة الجيل، على المستوى الفرديّ والزوجيّ و/أو تجاه المجتمعات.
تكبر عرين شريكها/ زوجها ببعض السّنوات، عن تجربتها تقول: "أنا أكبر من شريكي بسبع سنوات، كنت أعتقد طوال عمري بأني يجب أن ارتبط برجل أكبر مني سنَا، وعندما التقيت بشريكي وبدأت العلاقة وعرفت عمره، أربكتني المسألة جدًا، وكنت أفكر جديًا بالانسحاب، لكن لا شعوريًا استمرت العلاقة، وبدأت أكتشف كل يوم بأن فكريًا لا من فرق بيني وبينه، ومع مرور الوقت، تأكدت أن اختياري صحيحًا، وبدأت أؤمن بأن لا قاعدة أبدًا في هذا الشّأن. المسألة الوحيدة التي أشعر بفرق العمر فيها، هي المسألة البيولوجيّة، خاصّة الإنجاب، أشعر بأني بسباق مع الزّمن كي أصبح أمًا، وهو يشعر بأن ما زال هنالك وقت".
امتدادًا للنقطة الأخيرة، والتي تشكّل هاجسًا لدى العديد من النساء، خاصّة اللواتي يرغبن بأن يصبحن أمهات، فهي بالطبع شرعيّة، بكافة أشكال الشراكات الزوجيّة وفارق الأجيال، وبالتأكيد، هي أيضًا هاجس تعيشه نساء عديدات غير مرتبطات عاطفيًا، لأسباب عديدة منها عدم رغبتهن في ذلك، لكن هذا موضوع آخر. بالعودة إلى حديثنا، وكما عوامل عديدة، الحبّ له علاقة بالحبّ فقط، ورغبة امرأة ورجل في الارتباط العاطفيّ وبناء شكل حياة ما مشترك، هذا أمر يخصهما هما، ويعتمد على شخص كلّ منهما وبالتأكيد ليس على أيّ عنصر لا علاقة مباشرة لهما به، مثل الجيل، وبالتالي: منذ متى الوقوع (أو الصّعود، للدقة) في حبّ أحد له علاقة بجيله؟ لكن يبدأ الصّراع عندما نقرر أن هذه الحقيقة لها أهميّة عندنا، أم لا؟ هل تؤثر على مشاعرنا أم لا؟ هل تجعل من الشخص أفضل أو أسوأ؟ هل على المجتمع أن يتدخّل بها؟ يا ريت لا! في حديث مع صديق عن هذا الموضوع، قال، وبعيدًا عن الكليشيهات: "فش قوانين بالحبّ"... وما علينا نحن إلّا أن نواصل الإيمان بذلك.
رشا حلوة
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.