سوريا .. حشود غفيرة تشارك في "جمعة النصر" وسط دعوات للوحدة
١٣ ديسمبر ٢٠٢٤خرج مئات الآلاف من السوريين في عموم المدن والساحات اليوم احتفالا بسقوط النظام السوري في جمعة أطلق عليها "جمعة النصر ". وشهدت العاصمة دمشق أكبر حشد جماهيري امتد من ساحة المسكية أمام الجامع الأموي الشهير في دمشق لمسافة تزيد على أربعة كيلومترات عقب انتهاء صلاة الجمعة.
وهتف مصلون في الجامع الأموي في دمشق "واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد"، وألقى خطبة الجمعة في المسجد رئيس الوزراء محمد البشير المسؤول عن المرحلة الانتقالية حتى الأول من آذار/مارس. لكن البهجة كانت مصحوبة أيضا بالألم. على جدران المسجد، علقت عشرات الصور لأشخاص اختفوا بعد أن اعتقلتهم أجهزة الأمن السابقة، فيما يواصل آلاف السوريين رحلة البحث عن أحبائهم المفقودين بعد عقود من القمع العنيف.
هتافات تدعو لبناء سوريا الجديدة
كما وصل إلى ساحة الأمويين مئات آلاف من عموم مناطق العاصمة دمشق وريفها وغص أوتوستراد المزة على رحابته بآلاف السيارات التي قدمت من مناطق أرياف دمشق الغربية والجنوبية ومناطق محافظة القنيطرة . وقال أحمد صلاح وهو من حي القدم جنوب العاصمة دمشق وهو في العقد الخامس من عمره ويعمل موظفا في مؤسسة حكومية "لأول مرة أشارك في مسيرة أو احتفال وطن ، كنا نساق إلى تلك المسيرات التي يدفعنا إليها النظام منذ كنت طفلا في المدرسة حتى عملي الوظيفي الذي يمتد لأكثر من 30 عاما ". وأضاف صلاح لوكالة الانباء الالمانية (د ب أ) "الجميع يشارك بالاحتفال الذي أقيم اليوم في دمشق بقناعة تامة ويهتفون لبناء سوريا الجديدة ".
ويردد محمد الحريري من محافظة درعا خلال وجوده في ساحة الأمويين عبر مكبر للصوت يحمله بيده أغاني لأول مرة تردد في ساحة الامويين "ارفع راسك فوق أنت سوري حر - سوريا حرة حرة والأسد هرب برااا". وقال الحريري لـ ( د ب أ ) "كنا على قناعة بأننا سوف نصل إلى ساحة الأمويين يوما ما قدمنا آلاف الشهداء حتى وصلنا إلى هذه الساحة وطرد الأسد وعصابته ".
وشهدت ساحة الأمويين وصول فرق الأغاني الشعبية من مناطق محيط بالعاصمة دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة وباقي المحافظات السورية .
ساحة العاصي: "جمعة الكرامة وجمعة النصر"
وفي محافظة حماة وسط سوريا شهدت ساحة العاصي، وهي الميدان الرئيسي، مشاركة مئات آلاف من أبناء محافظة حماة وريفها. وقال أنور قدور: "كنا نتخفى عندما نشارك بالمظاهرات خوفا من عناصر الأمن الذين يقومون بتصوير المتظاهرين ثم يلاحقونهم إلى منازلهم، الأمر الذي دفع مئات الشباب للهروب خارج المنطقة". وأضاف قدور: "اليوم نعود إلى ساحة العاصي التي خرجت فيها أول مظاهرة تحت اسم جمعة الكرامة واليوم نعود إليها بعد 13 عاما باسم جمعة النصر".
وقال محمود عمر في مدينة حلب "لأول مرة أشاهد مسيرة في مدينة حلب دون رفع صورة الرئيس لم نكن نصدق أن نظام بشار الأسد سقط ".
وشهدت كل المناطق التي تحت سيطرة الجيش الوطني مسيرات احتفالية، حتى المدن التي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في مناطق شمال شرق البلاد.
وفي كلمة مسجلة، قال زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني الذي صار يستعمل اسمه الحقيقي أحمد الشرع، "أود أن أبارك للشعب السوري العظيم انتصار الثورة المباركة وأدعوهم للنزول إلى الميادين للتعبير عن فرحتهم بذلك دون إطلاق الرصاص أو ترويع الناس". وأضاف "ثم بعد ذلك لنتجه الى بناء هذا البلد، وكما قلناها منذ البداية منصورة بعون الله".
ولوح كثيرون بالعلم ذي النجوم الثلاث الذي اعتاد المتظاهرون رفعه وتبنته السلطات الجديدة، في أجواء احتفالية ذكّرت بالاحتجاجات الضخمة عام 2011 التي أدى قمعها إلى نزاع أهلي مدمر. وقال شرطي يبلغ 47 عاما في حلب بحماسة "الأسد الأب والابن اضطهدانا، لكننا حررنا بلدنا من الظلم"، فيما بثت عبر مكبرات الصوت شعارات وأهازيج. وقال هيثم حذيفة (54 عاما) في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، "فرحتنا لا توصف".
ودعا رئيس الحكومة محمد البشير بعد تعيينه الثلاثاء، السوريين في المنفى إلى العودة، متعهدا "ضمان حقوق كل الناس وكل الطوائف".
وقد فرّ نحو ستة ملايين سوري، أي ربع عدد السكان، من البلاد خلال 13 عاما من الحرب التي خلفت أكثر من نصف مليون قتيل. في حلب، حيث تقلص عدد المسيحيين إلى نحو 30 ألف شخص منذ عام 2011، قال الأب بهجت إنه يتفهم المخاوف بشأن الحكومة الجديدة "لكننا على الأرض لم نعانِ التمييز".
حراك دولي مكثف
وفي مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية العديدة في بلد منقسم متعدد الأطياف والأديان، تحاول السلطات الجديدة طمأنة الناس في موازاة تحرك المجتمع الدولي.
ويستضيف الأردن السبت قمة حول سوريا تجمع وزراء ودبلوماسيين كبارا أمريكيين وأوروبيين وعربا وأتراكا. وخلال جولته الإقليمية التي يركز فيها على ملف سوريا، كرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في العراق وتركيا أن واشنطن ستعمل على منع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد إطاحة الأسد في سوريا. وكان قد دعا أثناء زيارته الأردن إلى "انتقال جامع" في سوريا نحو حكومة "مسؤولة وتمثيلية".
هل يتواصل الاتحاد الأوروبي قريبا مع السلطات الجديدة؟
وأعلن مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي الجمعة أنّ التكتّل يتطلّع لأن يجري "قريبا" اتصالات دبلوماسية مع السلطات الجديدة في سوريا والتي تقودها "هيئة تحرير الشام" الإسلامية المتشددة.
وقال المسؤول طالبا عدم نشر اسمه إنّ "ما نفكّر فيه الآن هو إجراء اتصالات (...) ستتم هذه الاتصالات على المستوى العملاني ونأمل أن يحصل ذلك قريبا". وأكد أن هذه الاتصالات لن تتم "على المستوى السياسي، ولا على مستوى المسؤولين الكبار"، لافتا إلى أن للاتحاد الاوروبي قائما بالأعمال لسوريا مقرّه في بيروت.
وأعلن الاتحاد الأوروبي الجمعة إطلاق جسر جوي إنساني مع سوريا عبر تركيا، بعد أن أطلق برنامج الأغذية العالمي نداء عاجلا لجمع 250 مليون دولار لتوفير "مساعدات غذائية" للسوريين المحتاجين. وقد سجلت الأمم المتحدة أكثر من مليون نازح جديد منذ هجوم الفصائل بقيادة هيئة تحرير الشام. من جهتها، قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا إن السلطات الجديدة أرسلت "إشارة بناءة" من خلال مطالبتها بالبقاء في سوريا ومواصلة عملها.
إسرائيل والمنطقة العازلة
وفي الجنوب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الجمعة أوامر للجيش "بالاستعداد للبقاء" طوال فصل الشتاء في المنطقة العازلة في هضبة الجولان الاستراتيجية المحتلة منذ عام 1967. ونفذت إسرائيل مئات الضربات في سوريا في الأيام الأخيرة ضد مواقع عسكرية استراتيجية لمنع وقوع معدات الجيش السوري في "الأيدي الخطأ"، وفق ما قال بلينكن.
ف.ي/ص.ش (د ب ا، ا.ف.ب، رويترز)