نوتردام بعد الحريق: إعادة افتتاح كاتدرائية باريس
٧ ديسمبر ٢٠٢٤نوتردام ليست مجرد كنيسة ما، بل هي بالنسبة للفرنسيين بمثابة مزار وطني مقدس. وربما لهذا السبب خاطب الرئيس إيمانويل ماكرون شعبه المصدوم بالفاجعة مباشرة بعد ليلة الحريق في 16 إبريل/نيسان 2019، ووعد بإعادة بناء الكنيسة الأسقفية القوطية خلال خمسة أعوام بشكل "أجمل من السابق".
تدفقت أموال كثيرة من أجل هذا "المشروع الوطني" وساهم المئات عبر تبرعات. وعمليًا لم تكن توجد أية عقبات بيروقراطية. وهكذا تم إنجاز المشروع في موعده المحدد حتى النهاية، على الأقل رسميًا. ومن المقرر إعادة افتتاح نوتردام في احتفال يليق بالحدث يوم السبت الموافق للسابع من كانون الأول/ديسمبر.
وبدوره يريد ماكرون إلقاء خطاب في الساحة أمام الكاتدرائية وبحضور العديد من رؤساء الدول والحكومات. ومن المفترض في اليوم التالي أن يقيم رئيس الأساقفة لوران أولريش أول قدّاس ديني، يتم فيه تدشين المذبح الجديد.
كنيسة قديمة في بريق جديد
ما من شك في أنَّ مَنْ يعرف كاتدرائية نوتردام قبل الحريق سيندهش: فقد تم تنظيف جدرانها من السخام والأوساخ المتراكمة عليها طيلة قرون من الزمن. وصار يدخلها ضوء أكثر من السابق عبر نوافذها المنظفة، مما يزيد من بريق الألوان الزاهية واللوحات الجدارية المغطاة بأوراق الذهب. وقد تم أيضًا تنظيف 2300 تمثال وأنابيب الأرغن الـ8 آلاف.
وقبل فترة قصيرة فقط تمّ تركيب 1500 كرسي جديد داخل الكنسية بعد طقوس مباركتها. وكان لا بد من نقل نحو ألف متر مكعب من الحجارة، وتركيب سقالات تزن ألفي طن ثم تفكيكها. وقد بلغ عدد المشاركين في ترميمها نحو 250 شركة وأستوديو.
ويا ترى مَنْ كان يعتقد أنَّ هذه الكنيسة المبنية في الفترة بين عامي 1163 و1345 ستصبح مرة أخرى بمثابة "ورشة بناء القرن؟" بتكلفة بلغت إلى غاية اللحظة 700 مليون يورو. وقد تم جمع نحو 840 مليون يورو في حملة غير مسبوقة لجمع التبرعات. ومن المزمع استخدام الـ140 مليونًا الباقية من أجل مواصلة أعمال الترميم الضرورية في المحراب والدعامات الخارجية. وبعد إعادة الافتتاح، ستبدأ أعمال الترميم المقررة في الأعوام الثلاثة القادمة.
"معجزة نوتردام"
خمسة أعوام مضت على كارثة الحريق التي أثارت حينها صدمة عالمية: لقد كافحت فرق الإطفاء أربع ساعات حتى تمكنت من السيطرة على الحريق وحصره في هيكل السقف الخشبي. ولم يكن حجم الدمار كبيرًا كما كان متوقعًا في البداية: فعلى الرغم من انهيار برج التصالب، ومعه انهارت أيضا ثلاثة أقواس وفجوة في المحراب، إلَّا أنَّ تمثال العذراء القوطي لم يصب بأذى رغم قربه من برج التصالب. وقد وصفت ذلك خبيرة الكاتدرائية الألمانية باربرا شوك-فيرنر في حوار مع DW آنذاك بـ"معجزة نوتردام".
"كان خطر انهيار الكنيسة كلها كبيرًا"، كما تتذكر باربرا شوك-فيرنر قائلة: "لو هبَّت عاصفة واحدة فقط لكانت الأضرار هائلة". ولكن باريس كانت محظوظة. تأثير "مشكلة الرصاص" كان أخطر بكثير: فقد سقطت الألواح الرصاصية من سقف كاتدرائية نوتردام وانصهرت ألواح رصاصية أخرى. وغطى غبار الرصاص السام كل شيء في الكنيسة، وهو الأمر الذي زاد من صعوبة أعمال البناء والترميم. "كانت هذه تحديات كبيرة للغاية"، كما تقول باربرا شوك-فيرنر.
المبنى ما يزال رطبًا جدًا؟
وبالتعاون مع مفوض الشؤون الثقافية الفرنسي الألماني آنذاك، أرمين لاشيت، قامت مهندسة كاتدرائية كولونيا السابقة بتنسيق المساعدات الألمانية. وهكذا تم في ورشة بناء كاتدرائية كولونيا تنظيف أربع نوافذ علوية من نوافذ الكاتدرائية من غبار الرصاص وإصلاحها. كما قدمت شركة عائلية من بلدة أنتسينكيرشن في بافاريا السفلى المدقات لأجراس الكاتدرائية.
تستحق سرعة ترميم كاتدرائية نوتردام الكثير من الاحترام، تقول الخبيرة الألمانية باربرا شوك-فيرنر. ومع ذلك فهي تحذر من أنَّ "المبنى في الواقع ما يزال رطبًا جدًا"، وتضيف المهندسة المعمارية بأنه "لا يمكننا إلَّا أن نأمل في أن يبقى الجص العازل للجدران متماسكًا في الداخل".
كما حذرت باربرا شوك-فيرنر من أنَّ خشب البلوط الطازج المستخدم لبناء السقف ربما يحتاج مزيدًا من الوقت ليجف. و"في العادة تترك أخشاب البلوط لتجف وبعد ذلك فقط يتم استخدامها. ولكن التسرع كان بسبب ضغط الوقت. ولا يمكننا إلَّا أن نأمل في أن تسير الأمور بشكل جيد"، تتابع الخبيرة.
"نجاح فرنسي"
ولا يزال من غير الواضح كيف تريد باريس التعامل مع أعداد الزوار المتوقع تدفقها في افتتاح نوتردام. حيث تريد وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي فرض رسوم دخول، ولكن الكنيسة الكاثوليكية ترفض ذلك. وتفكر مدينة باريس في تحويل موقف السيارات تحت الأرض أمام الكاتدرائية إلى مركز للزوار.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يواجه حاليا أزمة سقوط حكومة ميشائيل بارنييه، فهو يرى - بحسب قصر الإليزيه - في إنجاز نوتردام "نجاحًا فرنسيًا"، ويريد الاستمتاع به خلال مراسيم الافتتاح التي سيحضرها نحو ثلاثة آلاف ضيف من بينهم 50 رئيس دولة إلى جانب شخصيات مشهورة. كما سيشارك في مراسيم الافتتاح الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير وكذلك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بدوره، أعلن في اللحظة الأخيرة، عبر قناة تروث سوشيال، عن نيته الحضور. وقال ترامب إنَّ ماكرون قام "بعمل رائع" من خلال ترميم الكاتدرائية.
وعلى الأرجح ستكون العاصمة باريس خلال حفل الافتتاح قلعة محصنة، بعد نشر نحو 6 آلاف عنصر أمني.
أعده للعربية: رائد الباش