الشارع العراقي محبَط بعد تفجيرات بغداد وبوادر أزمة طائفية
٢٥ ديسمبر ٢٠١١أيام قلائل فصلت بين الانسحاب الأمريكي من العراق وسلسلة تفجيرات بغداد الدامية، التي سقط على إثرها عشرات القتلى من العراقيين ومئات الجرحى. سلسلة التفجيرات أتت نتيجة متوقعة للتجاذبات بين النخبة السياسية والمنعطف الذي شهدته سياسة التوافقات الهشة التي تجمعها، بعد إصدار مذكرة اعتقال ضد النائب السني، لرئيس الجمهورية، طارق الهاشمي بتهمة الإرهاب، وإقالة رئيس الوزراء نوري المالكي لنائبه صالح المطلق. لكن هذه الهجمات كانت الاختبار الأول للأجهزة الأمنية في عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي، وأثارت في الوقت نفسه علامات استفهام على مدى جاهزيتها.
ردود فعل الشارع في بغداد، كما يرصدها موقع دويتشه فيله، تهيمن عليها المخاوف من دوامة عنف جديدة. فبينما كان الشارع العراقي يتطلع إلى حدوث تحول في العملية السياسية باتجاه مزيد من التوافق وتوجيه الأولويات لإعمار البلاد، خاصة بعد انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق فجر السبت الماضي (17 كانون الأول/ ديسمبر 2011)، جاءت تفجيرات الخميس لتثير حفيظة ومخاوف العراقيين من دخول البلاد في "دوامة عنف" جديدة كتلك التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2007.
"الخلافات متأتية من تدخل دول الجوار"
يقول عصام حيدر كامل، طالب كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد، إن "قادة العراق يتحملون مسؤولية تفجيرات بغداد الأخيرة بسبب انشغالهم في دائرة خلافاتهم الشخصية وإهمالهم لسلامة المواطن". ويؤكد كامل (21عاماً)، في حوار مع دويتشه فيله، عن وجود بعض الجهات التي تخدم مصالح دول الجوار،"في مقدمتها السعودية وإيران"، والتي تتربص بالمشهد السياسي العراقي مستغلة في ذلك الخلافات بين القادة السياسيين التي تثار بين الحين والآخر لغرض"إشعال فتيل الحرب الطائفية في البلاد". ويشير كامل إلى "ضرورة محاسبة المقصرين وعدم الاستخفاف بأرواح الأبرياء".
ولم يذهب محمد علي حسن، طالب كلية الهندسة في الجامعة المستنصرية ببغداد، في رأيه بعيداً عما قاله كامل، إذ يرى أن واقع الملف الأمني في العراق بات رهينة للخلافات السياسية التي تثار بين زعماء الكتل السياسية وأن "ما حصل من خروقات أمنية هو تدخل خارجي". ويضيف حسن (27 عاماً) أن "الخلافات الحالية بين مسؤولي الدولة انعكست سلباً على الوضع الأمني في المدن العراقية"، لافتاً إلى ضرورة "تجاوز الخلافات والوقوف أمام التحديات التي تواجه حكومة المالكي من أجل الحفاظ على قدسية الدم العراقي".
واعتاد الساسة العراقيون أثناء نشوب الخلافات والأزمات بينهم تبادل مثل هذه الاتهامات بالولاء لأطراف خارجية، وهي من الجوانب التي ما زالت تشكل عائقا أمام قيام حكومة عراقية بعيدة عن التوازنات الطائفية.
التفرد بالسلطة وإقصاء الآخر
إلا أن حسن عودة كاظم، صاحب محل بيع الصحف في العاصمة بغداد، لا يشاطر وجهتي النظر هاتين، معتبراً أن ما حصل من خروقات أمنية هو"مهزلة واستخفاف بدماء العراقيين، ويتحمل نتائجه بعض القادة السياسيين في البلاد"، ولافتاً إلى أن محاولة بعض القادة في التفرد بالسلطة ومحاولتهم إقصاء شركائهم في العملية السياسية "سبب في تردي الوضع الأمني". ويضيف كاظم قائلاً: "إن ما حدث من أعمال إرهابية هو محاولة بعض الساسة العراقيين تحريك الرأي العام وإثبات تورط بعضهم بالقيام بهذه الأعمال الإرهابية".
"لغة الوعيد"
من جانبه يشدد سمير الحمداني، أستاذ علم الأحياء المتقاعد في بغداد، إلى أن "انسحاب أعضاء القائمة العراقية ومقاطعتهم لجلسات مجلس النواب، بالإضافة إلى لغة الوعيد التي انتهجها نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بإعادة العراق إلى نقطة الصفر، و"الاعترافات التي تدين تورطه بأعمال إرهابية" تعد من "أبرز الأدلة على إدانة القائمة العراقية وتورطها بهذه الهجمات".
يُذكر أن القضاء لم يقل كلمته الفصل قي هذه القضية، فالهاشمي يشكك في استقلالية القضاء، معتبراً أن أحكامه واقعة هي الأخرى "تحت سطوة المالكي". وقد أبدى استعداده للمثول أمام محكمة في كردستان العراق.
ويضيف الحمداني أن "البلاد تمر بمرحلة ضبابية بسبب انشغال قادته بخدمة مصالح دول الجوار داخل العراق وعلى حساب دم مواطنيه"، مشدداً على ضرورة معاقبة"المتورطين".
ولم يذهب جبار طاهر رحمه، رئيس المهندسين في وزارة الكهرباء في بغداد، برأيه بعيداً عما قاله الحمداني، إذ يرى أن "لغة الوعيد التي انتهجتها القائمة العراقية وولاء بعض قياداتها لحزب البعث المحظور وتورطهم بجرائم بحق الشعب العراقي تدينها بارتكاب جرائم بحق الشعب العراقي". ويشدد رحمه "على ضرورة مثول طارق الهاشمي أمام القضاء ومواجهة التهم الموجهة إليه إن كان بريئاً منها".
وعلقت القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي عضويتها في مجلسي النواب والوزراء على خلفية مذكرة اعتقال الهاشمي فضلاً عن مطالبة المالكي "بسحب الثقة" عن نائبه لشؤون الخدمات والقيادي في"العراقية" صالح المطلق. وتأتي هذه الأزمة السياسية- الأمنية العراقية أيضاً في ظل تداعيات إعلان محافظتي صلاح الدين وديالى ذات الغالبية السنية إقليمين إداريين واقتصاديين "ضمن العراق الموحد".
مناف الساعدي- بغداد
مراجعة: منصف السليمي