نُذر اقتصادية مشؤومة.. مخاطر الصراع بين إسرائيل وحماس
٢٩ أكتوبر ٢٠٢٣ما كاد العالم يستفيق من التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة، حتى بدأ العدوان الروسي على أوكرانيا أواخر فبراير / شباط العام الماضي يأخذ حيزا من القلق الاقتصادي العالمي، فيما لم تكن منطقة الشرق الأوسط الاستثناء من ذلك.
وبينما تسعى دول عديدة للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الاقتصادية مع غياب أي ملامح لنهاية الحرب في أوكرانيا، خرج اقتصاديون ومسؤولون في مؤسسات اقتصادية عالمية ليدقوا ناقوس الخطر إزاء التداعيات الاقتصادية لاستمرار الحرب بين حماس وإسرائيل ومخاوف من طول أمدها واتساعها إقليميا.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
إسرائيل وغزة.. العبء الأكبر
ففي إسرائيل وعلى وقع الحرب، خفض بنك إسرائيل المركزي توقعات النمو لاقتصاد البلاد إلى 2.3 بالمائة خلال العام الجاري و3.5 بالمائة في 2024 في حال بقي الصراع مقصورا على قطاع غزة ولم يمتد لجبهات أخرى. وفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، قدر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الخسائر المباشرة على اقتصاد بلاده بسبب الحرب بنحو مليار شيكل، أي ما يعادل 246 مليون دولار يوميا. وشدد على أنه من الصعب في الوقت الراهن تحديد الخسائر غير المباشرة على الاقتصاد الإسرائيلي الذي بات مصابا بالشلل جزئيا بسبب التعبئة العامة لجنود الاحتياط واستمرار إطلاق الصواريخ من غزة.
أما في قطاع غزة، فقد قال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) الأربعاء (25 أكتوبر/تشرين الأول) إنه "من المستحيل تحديد العواقب الاقتصادية للأزمة الإنسانية الحالية في القطاع". وقالت الأونكتاد إن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة "في حالة يرثى لها منذ 2022 حتى قبل التفجُر الأخير للصراع"، مشيرا إلى أن 80 بالمائة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الدولية فيما تصل نسبة البطالة إلى 45 بالمائة.
دول الجوار.. قلق أكبر
تزامن هذا مع صدور تصريحات تشير إلى أن التبعات الاقتصادية جراء الحرب لن تقتصر على إسرائيل والفلسطينيين بل سوف تشمل دول المنطقة. وجاءت أولى التصريحات المقلقة بهذا الخصوص على لسان المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا حيث قالت إن الحرب بين إسرائيل وحماس بدأت تؤثر بشكل سلبي على اقتصادات الدول المجاورة في المنطقة.
وأمام منتدى للاستثمار في الرياض، أضافت: "لدينا دول تعتمد على السياحة، وعدم اليقين أمر قاتل لتدفق السياح. سيكون المستثمرون مترددين من الذهاب إلى الأمكنة التي يسودها عدم اليقين. إذا نظرنا إلى الدول المجاورة - مصر ولبنان والأردن - فإن التأثير واضح بالفعل". ولم تتوقف لهجة غورغييفا التشاؤمية على اقتصاديات المنطقة بل حذرت من تداعيات الحرب على دول العالم خاصة عقب تحذير قادة في قطاع المصارف الدولي من أن الحرب قد توجه ضربة قوية للاقتصاد العالمي.
وقالت غورغييفا: "ما نراه هو المزيد من التوتر في عالم يعاني من القلق" في مخاوف أعرب عنها أيضا رئيس البنك الدولي أجاي بانجا حيث قال إن التوترات الجيوسياسية التي تفاقمت بسبب الصراع في الشرق الأوسط تشكل أكبر تهديد للاقتصاد العالمي.
وأمام المنتدى ذاته، أضاف "هناك الكثير مما يحدث في العالم وعلى صعيد الجغرافيا السياسية في الحروب التي ترونها وما حدث للتو في إسرائيل وغزة. في نهاية المطاف، عندما تجمع كل هذا معا، أعتقد أن التأثير على التنمية الاقتصادية يكون أكثر خطورة".
السياحة على المحك
وبدأت تداعيات الحرب تمس فعليا قطاعي السياحة والسفر خاصة في دول المنطقة الأكثر اعتمادا على إيرادات هذا القطاع إذ منذ هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول انخفضت مبيعات تذاكر الطيران إلى مصر والأردن ولبنان.
وبدأت تداعيات الحرب تمس فعليا قطاعي السياحة والسفر خاصة في دول المنطقة الأكثر اعتمادا على إيرادات هذا القطاع إذ منذ هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر / تشرين الأول انخفضت مبيعات تذاكر الطيران إلى مصر والأردن ولبنان.
وكشف تحليل أجرته شركة فورورد كيز، الرائدة في مجال بيانات وتحليلات السفر، عن إلغاء منظمي الرحلات السياحية رحلاتهم إلى إسرائيل حيث انخفضت تذاكر الرحلات المستقبلية إلى هناك بنسبة 187 بالمائة بين السابع والتاسع عشر من أكتوبر / تشرين الأول مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وقال أوليفييه بونتي، نائب رئيس التحليلات في الشركة، إن تذاكر السفر إلى مصر انخفضت 26 بالمائة على أساس سنوي وإلى الأردن بنسبة 49 بالمائة وإلى لبنان بنسبة 74 بالمائة.
ومن شأن تراجع السياحة أن يثقل كاهل اقتصاديات دول المنطقة التي تعتمد عليها مثل مصر حيث تشهد منتجعاتها السياحة المطلة على البحر الأحمر إقبالا كبيرا من السياح في الأحوال العادية.
"مصر تتأثر بشكل مباشر"
وتأتي الأرقام المنخفضة عن تدفق السياح فيما كان قطاع السياحة الحيوي في مصر في طور الانتعاش مرة أخرى بعد فترة صعبة جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا، لكن خبراء يرجحون أن يؤدي تراجع عدد السياح في مصر بسبب الحرب إلى ضغوط إضافية على الاقتصاد المصري.
ويتزامن هذا مع خفض وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني الجمعة (21 أكتوبر / تشرين الأول) تصنيف ديون مصر، مشيرة إلى أن "التكاليف المرتفعة جدا لخدمة الدين العام تعد تحدّيا محتملًا أمام القدرة على تحمّل الديون". ولم تستبعد الوكالة أن يؤثر الصراع بين حماس وإسرائيل على الاقتصاد المصري، قائلة "نظرا للحدود مع غزّة وسيطرتها على معبر رفح، فإن مصر تتأثر بشكل مباشر".
ونوّه البيان إلى أن إغلاق منصة تمار الإسرائيلية للغاز أدّى إلى خفض واردات مصر من الغاز من 800 مليون قدم مكعب يوميا إلى 650 مليون قدم مكعّب يوميًا ومن شأن ذلك أن يخفض قدرة مصر على تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
دول الخليج.. هل في مأمن؟
ويرى خبراء أن الصراع بين حماس وإسرائيل قد يزعزع استقرار الشرق الأوسط في الوقت الذي تضخ فيه دول الخليج خاصة السعودية مئات المليارات من الدولارات في خطة تحول اقتصادي واسعة النطاق.
فقد شهد العام الماضي إنفاق السعودية المليارات ضمن خطة التحول الاقتصادي الطموح لتحقيق رؤية 2030 التي تهدف لتحويل الاقتصاد بعيدا عن النفط عن طريق إنشاء صناعات جديدة وتوليد فرص عمل للمواطنين وجذب رأس المال الأجنبي.
ويعتقد مراقبون أن موجة العنف الجديدة تتعارض مع رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لشرق أوسط مستقر ومزدهر خاصة بعد عودة العلاقات مع تركيا وإيران وتزايد الحديث عن قرب التطبيع مع إسرائيل.
وفي مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، بات ثاكر، إنه مع تركيز السعودية والإمارات "بشكل كامل على التنويع الاقتصادي والإسراع في تنفيذ عدد من المشاريع الكبيرة، فإن من مصلحتهما تحقيق السلام والأمن الإقليميين على نطاق أوسع من أجل التركيز على الجبهة الداخلية."
"علاوة على ذلك، فإن تزايد حالة عدم اليقين بشأن الإمدادات من السعودية قد يؤدي بسهولة إلى ارتفاع الأسعار بنفس القدر الذي حدث عقب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي في ذلك الوقت ارتفعت أسعار النفط بنسبة 30% في غضون أسبوعين"، وفقا لمذكرة صدرت عن شركة "جيه سافرا ساراسين" الجمعة (20 أكتوبر/ تشرين الأول).
شبح أزمة طاقة
أفادت رويترز بارتفاع أسعار النفط نحو اثنين بالمئة الأربعاء (25 أكتوبر / تشرين الأول) بسبب المخاوف من احتمالية تعطل الإنتاج من الشرق الأوسط مما سيؤثر سلبا على الإمدادات العالمية للخام نظرا لأن الشرق الأوسط يمثل ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط.
وأعرب اقتصاديون عن مخاوفهم من تأثير الصراع على طرق عبور شاحنات النفط خاصة مضيق هرمز الذي يُطلق عليه بوابة النفط العالمي حيث يمر عبره خمس الإمدادات العالمية من النفط.
واشار خبراء إلى أن إنتاج إيران من النفط سيكون عرضة للخطر في حالة انخراطها في الصراع في ضوء أن إيران تعد ثامن أكبر منتج للنفط في العالم فيما ذكر وزير النفط الإيراني في أغسطس / آب الماضي إن إنتاج بلاده الحالي من النفط الخام يبلغ 3.3 مليون برميل يوميا.
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "الغارديان" عن نيكولاس فار، الخبير الاقتصادي في شركة الأبحاث كابيتال إيكونوميكس، قوله "إذا انزلقت إيران إلى الحرب فسوف يخلق ذلك مخاطر عالمية كبيرة على أسواق الطاقة حيث سيؤدي إلى تعطل إمدادات النفط وارتفاع أسعار النفط فيما يمكن أن تتأثر أسعار الغاز الطبيعي أيضا إذا حدث توقف في صادرات الغاز الطبيعي المسال."
إعداد: محمد فرحان