بعد الحكم بسجن ماهر.. استنكار واسع ومطالبات للسيسي بالتدخل
١٩ نوفمبر ٢٠٢١
مجددا يُثار الجدل في مصر حيال قضية ما يوصف بـ "ازدراء الأديان" المنصوص عليها في قانون العقوبات المصري، وطريقة توظيفها، والتي سرى كثيرون أنها بمثابة "حصان طروادة" يتم استخدامها ضد حرية الفكر أو للبحث عن الشهرة، وذلك مع صدور حكم بالسجن 5 سنوات بحق المحامي والناشط أحمد عبده ماهر بتهمة بـ"ازدراء الأديان، وفقا لهذه المادة المثيرة للجدل.
وكانت محكمة "جنح النزهة أمن الدولة طوارئ" قد قضت بالحكم ضد ماهر – الذي يتباين الإعلام المصري في لقبه من الاكتفاء بوصفه محامي أو مستشار أو منحه لقب "المفكر"- بعد دعوى رفعها المحامي المثير للجدل سمير صبري، الذي زعم أن ماهر "ازدراء الدين الإسلامي" وأثار "الفتنة الطائفية". ماهر يصف نفسه بأنه "محام بالنقض ومستشار قانوني ومفكّر إسلامي".
وذكرت وسائل إعلام مصرية أن الحكم جاء على خلفية كتاب ماهر، الذي يحمل عنوان "ضلال الأمة بفقه الأئمة- نحو تنوير فقهنا الإسلامي" وهو الكتاب الذي أثار جدلا مصر.
وعلى وقع هذا الحكم، سارع العديد من النشطاء في مصر إلى إدانة الحكم، إذ أعربوا عن استغرابهم عن صدور مثل هذا الحكم بعد فترة وجيزة من تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر تتبنى حرية الفكر والإبداع والتعبير.
"ثلاث سنوات حبس للصوص وخمس للمفكرين"؟
أما محامي ماهر، فقد أكد في تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية أن النيابة حققت مع موكله وأتهمته "بالتعدي على السلم الاجتماعي وإثارة الفتنة في كتابه "إضلال الأمة بفقه الأئمة" و"التطاول على الدين الإسلامي"، بيد أنه نوه بأن الحكم ليس نهائيا.
وقال إن ماهر "موجود في مكتبه ويمارس عمله بشكل طبيعي، ولن يصبح الحكم نهائيًا - بما يسمح بالقبض عليه - إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية أو من ينوبه، وفقًا لقانون الطوارئ."
ورغم ذلك، ذكر موقع "مدى مصر" المستقل أن "الحكم القضائي الصادر عن محكمة استثنائية، حكمًا باتًا غير قابل للطعن، وذلك على الرغم من انتهاء حال الطوارئ وعودة القضايا للمثول أمام قاضيها الطبيعي."
أما الناشط أحمد عبده ماهر نفسه فقد أدان الحكم ضده في تغريدة على موقع تويتر، معتبرا أن "أحكام الحبس ليست عارا، لكن العار قد يكمن فيما ارتكنت عليه تلك الأحكام". وتساءل في تغريدة أخرى "هل القسط يكون في وضعنا لقوانين بمعاقبة اللصوص بثلاث سنوات حبس، بينما نعاقب المفكرين بخمس سنوات حبس".
إدانات وتضامن
وأثار الحكم حملة تضامن على مواقع التواصل الاجتماعي من شخصيات بارزة وإعلاميين فيما حاول البعض تبرير الحكم ضد أحمد عبده ماهر.
فقد اعتبر الباحث والأديب المصري يوسف زيدان - والذي تعرض لاتهامات في السابق بـ"ازدراء الأديان" – اعتبر الحكم "بالصادم"، رغم أنه يختلف مع بعض أفكار ماهر، كما يقول.
كذلك انضم إلى حملة الإدانات الإعلامي المصري إبراهيم عيسى، الذي تساءل في برنامجه التلفزيوني على قناة "القاهرة والناس" الخاصة، عن سبب نظر "محكمة أمن الدولة" لقضية أحمد عبده ماهر.
ولم تتوقف الإدانات على المشاهير، بل انضم إليهم العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر البعض الحكم بمثابة "وصمة عار" ومحاولة لمصادرة "حرية التفكير".
مناشدة للسيسي بالتدخل
وإزاء الحكم، ناشد البعض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل في القضية وعدم التصديق على الحكم.
وقبل صدور الحكم، نشر على مواقع التواصل مقطعا مصورا لـ أحمد ماهر يناشد فيه الرئيس المصري بالتدخل إذ قال إنه "نفّذ كلام السيسي حين حاول تطهير الفقه، وليس العقيدة أو الشريعة"، على حد قوله.
دعوته لإغلاق وإصلاح الأزهر
وقد عُرف عن أحمد ماهر انتقاده الشديد للأزهر بل أنه اتهم المناهج التي تدرس في المعاهد الأزهرية بأنها "تحض على التطرف"، وسبق له أن ذكر في مقابلة سابقة مع DW عربية أن "الأزهر لا يستحي أن يدرس في كتبه ومناهجه دمويته/ وهدم الكنائس، وقتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، وقتل الأسرى، وأخذ السبايا. الأزهر يدّرس وداعش يطبق"، وفق تعبير ماهر في المقابلة مع DWعربية.
وطرح ماهر رؤية خاصة به لـ "إصلاح الأزهر" تتلخص أولاً في "إغلاق الأزهر لعشر سنوات، على الأقل، حتى نصنع فاصل بين هذا الجيل المهلهل فقهياً وفكرياً، وبين الجيل الجديد الذي سيقدم الإسلام للعالم".
ورغم حملة الدفاع عن أحمد ماهر، إلا أن بعض الأصوات خرجت لتدافع عن الحكم ومن أبرزهم الداعية الإسلامي المثير للجدل عبد الله رشدي الذي أعرب عن أمله في أن يكون الحكم "عِظَةً لبعضِهم".
صاحب الدعوى ـ باحث عن الشهرة؟
ولا يمكن ذكر قضية أحمد عبده ماهر دون ذكر المحامي الذي رفع الدعوى عليه، وهو سمير صبري، الذي يكنى في الإعلام المصري بـ "محامي المشاهير" بسبب الكم الكبير من الدعاوى التي رفعها ضد مفكرين وفنانين وسياسيين في مصر على مر السنين.
فقد أقر المحامي سمير صبري في إحدى اللقاءات التليفزيونية العام الماضي بأن قام بتقديم "بلاغات للنائب العام ضد فنانين وسياسيين ورجال أعمال يصل عددها إلى 3212 بلاغا".
ومن بين أبزر الشخصيات التي قام برفع دعاوى ضدها هشام جنينة - الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات - والفريق سامي عنان- رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق – والفنان محمد رمضان بل وصل الأمر إلى رفع دعاوى ضد المؤثرات على موقع التواصل الاجتماعي أو ما يُطلق عليهن "فتيات التيك توك".
وبين من أبرز الدعاوى التي رفعها سمير صبري تلك التي طالبت برفع اسم الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك من الشوارع والميادين وحتى محطات مترو الأنفاق وذلك في أعقاب ثورة 26 يناير التي أطاحت بنظام مبارك في عام 2011.
بيد أن الكثيرين ينتقدون صبري ويتهمونه بمحاولة رفع دعاوى قضائية فقط "لإثارة الجدل" والرغبة في "البحث عن الشهرة"، رغم نفيه ذلك.
المادة المثيرة للجدل ـ حصان طروادة
بالتزامن مع ذكر المحامي المثير للجدل سمير صبري صاحب الدعوى ضد ماهر، يجب ذكر المادة القانونية التي صدر بموجبها الحكم، والتي يراها البعض بكونها "حصان طروادة" فيما طالب آخرون بإلغائها.
وتنص المادة 98 فقرة "2" من قانون العقوبات على "أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز 5 سنوات أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 1000 جنيه لكل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية."
وإزاء ذلك، طالبت شخصيات مصرية وحتى نواب سابقين في البرلمان المصري بإلغاء هذه المادة باعتبارها "تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها مصر وكذلك تخالف حرية العقيدة والتعبير".
وقد نشرت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" – منظمة غير حكومية حقوقية رائدة في مصر - عام 2016 مذكرة تؤكد عدم دستورية المادة التي تعود إلى حقبة الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
ومن بين أحدث الشخصيات التي صدر بحقها أحكاما بالسجن بموجب هذه المادة الباحث الإسلامي اسلام بحيري الذي حُكم عليه بالسجن خمس أعوام في عام 2015 بتهمة ازدراء الإسلام فيما تم تخفيف الحكم لعام ليصدر عفو رئاسي عنه لاحقا.
ومن بين الشخصيات الأخرى التي تم اتهامها بتهمة "إزدراء الأديان" الكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت والمفكر الإسلامي نصر حامد أبو زيد والكاتبة نوال السعداوي وفنانين أبرزهم المخرجة إيناس الدغيدي.
محمد فرحان