1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تصريحات بيربوك.. هل تزيد "هوة" حرب غزة بين ألمانيا والعرب؟

محي الدين حسين
١٨ أكتوبر ٢٠٢٤

تصريح وزيرة الخارجية الألمانية بيربوك حول إمكانية فقدان الأماكن المدنية بغزة للحماية عند استغلالها من قبل حماس، يثير جدلًا وتساؤلات قانونية. ماذا يقول القانون الدولي؟ وهل يزيد التصريح "فجوة حرب غزة" بين ألمانيا والعرب؟

https://p.dw.com/p/4lxFP
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مؤتمر صحفي في إسرائيل (أرشيف)
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أثارت جدًلا واسعًا بتصريحها، فهل يتناسب ما قالته مع القانون الدولي؟صورة من: Michael Kappeler/dpa/picture alliance

"الأماكن المدنية يمكن أن تفقد وضع الحماية لأن الإرهابيين يستغلونها"،  تصريح  مثير للجدل من وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك  أثار انتقادات شديدة، خصوصًا ممن اعتبر أن الوزيرة المنتمية لحزب الخضر "تبرر قتل المدنيين في  غزة".
التصريح جاء خلال خطاب لبيربوك، التي طالما رفضت تسليح الدول الأخرى -حتى إسرائيل- عندما كانت في المعارضة، ألقته أمام البوندستاغ (10 تشرين الأول/أكتوبر 2024) بمناسبة مرور عام على هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن الجدل حول تصريحها لم يبدأ إلا بعد نحو أسبوع عقب أن تناولته وسائل إعلام عربية.

السفارة الألمانية في القاهرة أصدرت بعد ذلك توضيحًا قالت فيه إن "الادعاء بأن وزيرة خارجية ألمانيا تدعم الهجمات على المدنيين هو ادعاء كاذب".

وعند تواصلنا مع وزارة الخارجية الألمانية طلبًا لتوضيحات أكثر، أكدت الوزارة في رسالة إلكترونية لـDW عربية أن بيربوك "دعت في كلمتها بشكل أساسي إلى (مبدأ) التمييز (بين المدنيين والمقاتلين)"، مشيرة إلى تصريحات المتحدث باسم الوزارة سيباستيان فيشر في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء (16 تشرين الأول/أكتوبر 2024) حول تصريحات بيربوك المثيرة للجدل، جاء فيه: "موقفنا واضح للغاية - لقد قلنا ذلك هنا، وقد قالت الوزيرة ذلك في أماكن مختلفة - أي أن الأماكن المدنية يمكن أن تفقد وضعها المحمي وتصبح هدفًا عسكريًا مباحًا إذا تم استخدامها عسكريًا"، مضيفًا: "ومع ذلك، تظل حماية المدنيين هي المبدأ الأسمى وينطبق مبدأ التناسب وشرط التمييز (بين المدنيين والمقاتلين)". والتناسب مبدأ أساسي في القانون الدولي يقضي بأن شرعية عمل ما تتحدَّد حسب احترام التوازن بين الهدف والوسيلة والطريقة المستخدمة لبلوغه وكذلك عواقب هذا العمل.

وتابعت الوزارة لـ
DW  أن بيربوك "أشارت باستمرار إلى أهمية القانون الإنساني الدولي، سواء في سياق ممارسة حق إسرائيل في الدفاع عن النفس أو فيما يتعلق بصادرات الأسلحة. وأشارت أيضًا إلى أننا، كأصدقاء حميمين لإسرائيل، نتعامل دائمًا بوضوح وصراحة مع أمن جميع الأشخاص في المنطقة، في غزة، في الضفة الغربية ولبنان".

وأشارت وزارة الخارجية الألمانية إلى أن "ألمانيا تعد أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية في غزة. وقد أعلنت وزيرة الخارجية مؤخرًا عن تقديم مساعدات إنسانية إضافية لغزة بقيمة 50 مليون دولار"، وأضافت: "في المجمل، قمنا بتوفير أكثر من 360 مليون يورو للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين منذ عام 2023؛ وذهب جزء كبير منها إلى غزة لتقديم الإغاثة الطارئة".



كلمات  بيربوك  جعلت سهام الانتقادات تتوجه إليها من أطراف مختلفة، منها المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيزي، التي كتبت على منصة "إكس": "بصفتي خبيرة مستقلة في الأمم المتحدة، أشعر بقلق عميق إزاء الموقف الذي تتخذه ألمانيا تجاه إسرائيل/فلسطين، وتداعياته وعواقبه الخطيرة. يجب دعوة الوزيرة بيربوك لتقديم الأدلة على ما تدعيه، ثم شرح كيف يبرر ‛فقدان الأهداف المدنية لوضعها المحمي ‛المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة وأماكن أخرى. هل قررت ألمانيا الوقوف إلى جانب دولة ترتكب جرائم دولية، فهذا خيار سياسي، ولكن له أيضًا تداعيات قانونية".

تصريح بيربوك على ميزان القانون الدولي الإنساني؟

لكن ماذا يقول القانون الدولي الإنساني بخصوص تصريح بيربوك المثير للجدل؟ هل يمكن للدول-مثل إسرائيل- أن تهاجم الأماكن المدنية إذا استغلها مسلحون-مثل حماس- لأغراض عسكرية؟

سألنا الأستاذ الجامعي والخبير بالقانون الدولي د. ماتياس كيتيمان، الذي وضح لـDW عربية بالقول: "القانون الدولي الإنساني غامض بعض الشيء ... لكنه ينص بوضوح على أنه يمكنك الدفاع عن نفسك ضد المقاتلين. يمكنك مهاجمة المقاتلين. لكن لا يذكر مكانهم بالضبط".

 ويضيف: "لذلك، ليس من غير القانوني -في حد ذاته- مهاجمة المقاتلين في الأماكن التي يتواجد فيها المدنيون. ومع ذلك، إذا قمت بذلك، فيجب عليك، كطرف في النزاع، أن تكون حريصًا للغاية على التأكد من تجنب وقوع جميع الضحايا المدنيين قدر الإمكان، وأنك لا تتصرف إلا بطريقة متناسبة، وأن تسعى فقط إلى تحقيق الأهداف ذات الضرورة العسكرية المطلقة".

ويتابع الخبير: "إذا لم يتمكن أحد أطراف النزاع من إظهار أنه فعل كل ما في وسعه لضمان تجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، وأنه يتصرف بشكل متناسب ويميز بين المقاتلين والمدنيين، فإن ذلك سيكون انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي".

وعن استهداف المستشفيات والمدارس يقول كيتيمان: "يؤلمني أن أقول إن القانون الإنساني الدولي لا يستبعد بشكل كامل الهجمات على أماكن مثل المدارس والمستشفيات ودور العبادة. ومع ذلك، ينص بوضوح على ضرورة حماية المدنيين أثناء النزاع، وأن المقاتلين وحدهم هم الأهداف المشروعة لأي عمل عسكري". ويضيف: "لذا، يتعين على أطراف النزاع تجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين بأي ثمن، وإذا كانوا يخططون لمهاجمة مدرسة أو مستشفى، فسيتعين عليهم اتخاذ إجراءات حذرة للغاية لضمان عدم تعرض المدنيين للأذى. أعتقد أن هذا رأي غالبية خبراء القانون الدولي الإنساني".

وتؤكد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تراقب الامتثال للقانون الدولي، أنه "قد يكون مستشفى أو مدرسة هدفًا عسكريًا مشروعًا إذا ساهم في عمليات عسكرية محددة للعدو وكان تدميرها يوفر حلًا عسكريًا واضحًا"، مشددة على ضرورة حماية المستشفيات والمدارس بموجب القانون الإنساني الدولي، لكنها تشير إلى أنها تفقد وضعها المحمي في ظل ظروف معينة: "على سبيل المثال، إذا تم استخدام المستشفى كقاعدة لهجوم، أو كمستودع للأسلحة"، كما نقلت عنها صحيفة زود دويتشه الألمانية.

"كان على بيربوك أن تكون أكثر حذرًا ووضوحًا"

وعن "قانونية" تصريحات بيربوك المثيرة للجدل، أمام القانون الدولي الإنساني، يقول كيتيمان: "من القانوني لها أن تقول ذلك لتعبر عن هذا الرأي... لكن كان يجب عليها أن تطرح الأمر بشكل مختلف، مثل التأكيد على حماية المدنيين".

ويضيف: "يتعين على السياسيين أن يكونوا أكثر حذراً فيما يتعلق بالأخلاقيات من الأشخاص العاديين. كان بإمكانها أن تكون أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالواجبات الأخلاقية للمشاركين في الصراع، مثل ضرورة حماية المدنيين (...) وأن المشاركة في عمل عسكري في مكان يتواجد فيه المدنيون، يمكن أن تكون غير أخلاقية، حتى لو كانت قانونية".

لكن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أكد في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 متحدثًا عن الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس أن "تصرفات أحد الطرفين لا تعفي الطرف الآخر من التزاماته بموجب القانون الإنساني الدولي".

وأضاف: "من الواضح أن البعض من كلا الجانبين ينظر إلى قتل المدنيين على أنه إما أضرار جانبية مقبولة أو سلاح حرب متعمد ومفيد. هذه كارثة إنسانية وحقوقية. إنه يمثل انهيارًا للاحترام الأساسي للقيم الإنسانية".
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

 

بيربوك: الجوع يغذي الإرهاب وعلى إسرائيل حماية المدنيين بغزة

حرب غزة تؤثر على صورة ألمانيا بالعالم العربي

من جهة أخرى يرى الكاتب الألماني دانيال باكس في مقال لموقع قنطرة أن ألمانيا "عزلت نفسها في جميع أنحاء العالم بموقفها تجاه إسرائيل"، منتقدًا سياسة الائتلاف الحاكم.

وبحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي، فإن صورة ألمانيا في العالم العربي "تشوهت" بعد الحرب في غزة. واستشهد التقرير باستطلاع للرأي أجراه "المركز العربي -واشنطن" في عام 2020 كشف أن أغلبية طفيفة من الجمهور العربي لديها آراء إيجابية بشأن السياسة الخارجية الألمانية. وعلى النقيض من ذلك، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في يناير/كانون الثاني الماضي بين سكان 16 دولة عربية ونشره معهد الدوحة في قطر أن 75% من المستطلعة آراؤهم لديهم رأي سلبي بشأن موقف برلين من الحرب بين إسرائيل وحماس.

وعلى مدار عقود من الزمن، سعت ألمانيا إلى التوفيق بين  مسؤوليتها التاريخية تجاه إسرائيل  وعلاقتها الودية تجاه العالم العربي. فقد طورت برلين بصمة كبيرة في مجال القوة الناعمة، وكان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها وسيط نزيه في العلاقات التجارية والاقتصادية. كما أن المنظمات التي تمولها الحكومة الألمانية إلى حد كبير - مثل معهد غوته، والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي "GIZ"، والمؤسسات المرتبطة بالأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد - هي من الممولين الرئيسيين لمختلف البرامج في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ونقلت فورين بوليسي عن عالم الاجتماع المغربي عمرو علي، الذي يدرس العلاقة بين ألمانيا والعالم العربي، بأن تأثر صورة ألمانيا في العالم العربي "تحول بمقدار 180 درجة في الرأي العام". واستشهدت المجلة بأن الانطباعات الإيجابية عن ألمانيا لطالما هيمنت في الشرق الأوسط: فقد ارتبطت ألمانيا بالسيارات السريعة والمنتجات عالية التقنية والسياح الودودين.

ورفضت الحكومة الألمانية المشاركة في حرب العراق ورحبت بأكثر من مليون لاجئ سوري في عامي 2015 و2016. وأصبحت برلين، موطن أكبر جالية فلسطينية في أوروبا، مركزًا للثقافة والحياة الفكرية العربية. وتفتقر ألمانيا أيضًا إلى الإرث الاستعماري المباشر في الشرق الأوسط، والذي لا يزال يغذي انعدام الثقة الإقليمي في قوى أخرى مثل فرنسا وبريطانيا.

لكن التوازن الألماني تغير بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بحسب فورين بوليسي. ويبقى السؤال المطروح: هل تتمكن ألمانيا من استعادة صورتها المتألقة في العالم العربي؟

يرى باكس أن ألمانيا قد تعاني من عواقب "إخفاقات" سياستها الخارجية لفترة طويلة قادمة، فيما تقول مجلة فورين بوليسي أنه "من غير المرجح أن يؤثر هذا التغيير في الرأي العام على علاقات ألمانيا السياسية أو الاقتصادية مع الدول العربية. ومع ذلك، فإن لديها القدرة على تقويض قوة برلين الناعمة في المنطقة".

محيي الدين حسين
شارك في إعداد التقرير: راما الجرمقاني