حرب الأيام الستة.. عندما بدأ إسرائيليون يتحدثون عن الاحتلال!
٥ يونيو ٢٠١٧بعد خمسين عاما من الحظر، ومع فقرات مازالت تحت الرقابة، أُفرج أخيراً عن وثائق تسلط الضوء على الأيام التي أدت إلى حرب غيرت الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل دراماتيكي.
مع قراءة الوثائق يتضح أن السياسيين الإسرائيليين لم تكن لديهم خطة سياسية للأيام المقبلة، ولا حتى رؤية واقعية للأراضي التي تم احتلالها بعد وقت قريب من ذلك.
في الواقع، تشير البروتوكولات السرية إلى أن ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان كان نتيجة انتصارات غير متوقعة أكثر منها نتيجة خطة إستراتيجية.
ويبدو أن دبلوماسيي إسرائيل أنفسهم كانوا مذهولين من إنجازاتها، ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع الأراضي الشاسعة الجديدة، (إسرائيل تضاعفت مساحتها ثلاث مرات)، ناهيك عن فهم المعنى الحقيقي لوجود حوالي 800 ألف عربي في الضفة الغربية لوحدها يعيشون الآن تحت إدارتهم المباشرة.
لكن بعض المؤرخين يرون، على عكس الرواية المنتشرة على نطاق واسع، أن الحرب لم تُفرض على إسرائيل، وإنما تم التخطيط لها منذ مدة طويلة، أو على الأقل وضعت كخطة طوارئ في انتظار شرارة ما.
وعلى كل حال، فإنه لا أحد تقريبا في إسرائيل تطرق إلى الاحتلال بشكل صريح، وسيستغرق الوقت سنوات بالنسبة لمعظم الناس ليتوافقوا مع وجوده. كان الأمر كذلك بالنسبة لمعظمهم ولكن ليس بالنسبة لجميعهم.
الشوق للقدس والحلم الصهيوني
"لم نتحدث فعلا عن ذلك أبدا، على الأقل ليس بالشكل نفسه الذي يُناقش به الاحتلال اليوم"، يقول نِحِميا زيراخوفيتس، الذي قاتل في معركة تلة الذخيرة، إحدى أشرس المعارك في حرب عام 1967. "سنتان فقط بعد ذلك، في 1969، بدأت حرب الاستنزاف، بالتالي لم يكن لدينا فعلا الوقت ولا القدرة الكافية للدخول في نقاشات أخلاقية. كان الشعور المسيطر هو الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة". ولكن زيراخوفيتس، وهو مدرس نشيط ومظلي محنك، يعترف أن الاشتياق للقدس ظهر قبل الحرب- وربما أثر على جنرالات إسرائيل- عن وعي أو دونه.
"نفس الجنرالات الذين قاموا بتحرير أو ضم أو احتلال القدس –سمها كما شئت- هم أنفسهم الذين فشلوا في استعادة تلك الأراضي في 1948. وهكذا فإن حرب 1967 بدأت تماما من حيث انتهت حرب 1948".
الفشل في الاستحواذ على القدس كان موضوعا نناقشه كثيرا على طاولات العشاء، يتذكر زيراخوفيتس، ويقول: "لاشيء عن الاحتلال ذُكر بشكل صريح، لكنه كان جرحا مفتوحا بالنسبة لجيل آبائنا. الأغاني كانت تكتب للتعبير عن الشوق للقدس، ولكن لم نتحدث أبدا عن المعارك بمصطلحات محددة".
لكن بعد الحرب، تغيرت الأجواء، خاصة مع صعود الصهيونية الدينية. يقول ميكا غودمان الكاتب والباحث في معهد شالوم هارتمان في القدس: "كان هناك كثيرون ممن اعتبروا انتصار إسرائيل تقريبا معجزة توراتية". ويضيف "هنا بدأ نوع من الانقسام في المجتمع. فالسكان العلمانيون كانت أمنيتهم إزالة التهديد الأمني من على رأس إسرائيل، لكن الأوساط المتدينة تلقت الأمر كنوع من تحقق الإرادة الإلهية في سلسلة الأحداث"، يقول غودمان للقناة الإسرائيلية العاشرة.
وفي الواقع، مع نهاية الحرب، أصبح استيطان الضفة الغربية وسيلة معلنة لتحويل الحلم الصهيوني إلى واقع، على الأقل بالنسبة للبعض.
بذور الشك
ورغم نشوة الانتصار، بعد أسبوعين فقط من انتهاء الحرب بدا بعض السياسيين والنشطاء متشككين. "في فترات إنهاء الاستعمار في العالم، من كان ليقبل بهذا؟" سأل وزير العدل يعقوب شيمشون شابيرا، وهو يشير إلى خيار طرَحَه وزير الدفاع موشي ديان لإقامة نظام "حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية، ولكن تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية".
في الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول 1967 نشرت حركة ماتزبن اليسارية الإسرائيلية رسالة مفتوحة على صحيفة هاآرتس، وأعيد نشرها مؤخرا، وتقول: "إن حقنا في الدفاع عن أنفسنا في وجه الإبادة لا يعطينا الحق في قمع الآخرين... الاحتلال يجلب سلطة أجنبية، والسلطة الأجنبية تجلب مقاومة والمقاومة تجلب قمعاً والقمع يجلب إرهاباً وإرهاباً معاكساً".
ولم تتوقف الرسالة عند هذا الحد: "ضحايا الإرهاب في الغالب أشخاص أبرياء. الاستحواذ على الأراضي سيحولنا إلى أمة قَتلة وضحايا قتل. دعونا نتخلى عن الأراضي المحتلة الآن".
حتى خلال الحرب، كان يفكر بعض الوزراء فيما إذا كانت إسرائيل واعية تماما بتداعيات احتلال أراض يقطنها نحو مليون عربي موزعين على عدة مناطق. "لنقل إننا غزونا القدس"، تساءل وزير التعليم زلمان أران، "متى سنعيدها، ولمن؟".
وفي اجتماع لمجلس الوزراء المصغر في 19 يونيو/ حزيران، حث الوزير مناحم بيغن أعضاء مجلس الأمن الإسرائيلي قائلا: "لا تقولوا للأمريكان ليس لدينا حل، بل قولوا نحن نبحث عن حل". وهو النهج، الذي يرى كثير من النقاد أنه طبع لهجة إسرائيل الدبلوماسية إلى يومنا هذا.
"هُوّات الاحتلال"
منذ 1967، انتقل أزيد من 400 ألف يهودي إلى مستوطنات خارج الخط الأخضر، وهي حدود الهدنة التي وافقت عليها إسرائيل وجيرانها في 1948. أكثر من 350 ألف يهودي يعيشون في القدس الشرقية وحدها، ويعيش نحو 20 ألفا منهم في مرتفعات الجولان.
يقول آفي بيرغر، الذي كان طالبا في الثانوية خلال الحرب: "قبل المستوطنات لم تكن هناك اشتباكات كثيرة بين اليهود والعرب". ويتذكر بيرغر "لم يكن هناك نقاش حقيقي حول الاحتلال لأن الجميع ببساطة عاشه".
ويضيف، وهو يتحدث عن فترة من سنة 1969 "لقد شاهدت شخصيا جنديا ينطح رجلا فلسطينيا مسنا، أو مجموعة جنود بالقرب من جثة. هذه هي الهُوَّات، التي قد يقود إليها أي احتلال. هذه معانيه اليومية، التي لم يكن يتم الحديث عنها وقتها". وبحسب شهادة زيراخوفيتس، فإن موجات لاحقة من الإرهاب ثبتت الفكرة في رؤوس الإسرائيليين "بأنه لا يوجد شريك للسلام". "في 1967 كان ينظر إلى عمليات الضم على أنها صفقة مساومة لتحقيق السلام؛ لكن بشكل ما بقي ذلك عذراً إلى اليوم - فقط أصبحنا أكثر جرأة وحدة".
الجيل الذي ولد بعد حرب الأيام الستة يتذكر بشكل أكبر الانتفاضة الأولى والثانية والعمليات العسكرية المتكررة. الصواريخ التي تطلق من غزة روتين يومي بالنسبة للإسرائيليين، الذين يعيشون على الحدود، وتقريبا كل من يتجاوز عمره 21 سنة يتذكر أنه تأثر بحرب أو هجوم إرهابي.
وبالرغم من أن الخطاب الإسرائيلي الحالي يرفض أي حل وسط بشأن القدس، فإن الجيل الأقدم، الذي حارب في 1967 له أفكار أخرى. يقول زيراخوفيتس: "الأشخاص الذين غزوا القدس آنذاك هم أعضاء أكثر الأحزاب يسارية في إسرائيل اليوم". ويضيف "مازلت أؤمن بوجود أمل. والدي جاء إلى هنا سنة 1933 لأنه أراد دولة يهودية، وليس دولة ثنائية القومية، وبالتأكيد ليس دولة فيها أقلية تحكم الأغلبية." ويضيف المظلي المحنك "البعض يرى أننا متجهون نحو كارثة. وهؤلاء هم من يستطيعون التأثير على مجريات الأمور وذلك ما يتوجب عليهم فعله. لم يفت الأوان بعد".
الكاتبة:دانا ريجيف/س.أ