شطب المذهب من الهوية في لبنان: محاولات مستمرة لكن لا نجاح
٢٣ أغسطس ٢٠١٢لم تكتمل الخطوة التي بدأها وزير الداخلية اللبناني الأسبق زياد بارود، على طريق تحقيق إلغاء الطائفية السياسية والتأسيس لدولة مدنية عصريّة. وبقي تعميمه حول حق المواطن في شطب مذهبه من الهوية الشخصية رهناً باجتهادات قضاة المحاكم الشرعية وموظفي الدولة، حيث فسر كل منهم القانون على هواه. لكن التعميم لقي صدى عند الشباب إذ بادر نحو 300 منهم إلى تشكيل حملة مُنظمة في كل المناطق اللبنانية والتوجه الى مأموريات النفوس لشطب المذهب لكن التباساً ظهر نتيجة هذه الخطوة على أكثر من صعيد.
أبرز الناشطين في هذه الحملة الشاب عربي العنداري، شرح لـ DW عربية، الالتباس الحاصل لدى موظفي الدولة ازاء هذا القرار، قائلاً ان شطب المذهب عن الوثائق الرسمية لا علاقة له بالإلحاد أو الخروج من الدين، إنما هو خطوة لحفظ حق المواطن بعدم الإعلان عن مذهبه. ويتطرق الناشط اليساري إلى حالات حصلت تبيّن حجم الالتباس، مشيراً إلى عائلة جنوبية كان أفرادها قد شطبوا مذهبهم إلا أن مشاكل اعترضتهم حين ذهبوا لتسجيل طفل وُلد حديثاً لم تقم الدوائر بتسجيله من دون ذكر المذهب إلا بعد مراجعات عديدة.
المؤسسة الدينية تقاوم تعميم الوزير
ولدى تقدُّم بعضهم للعمل في جهازي الأمن العام والأمن الداخلي، عانى الكثير من الشبان الذين شطبوا مذهبهم من عرقلة طلباتهم، علماً أن توزيع الوظائف الرسمية وفق الاعتبارات الطائفية لا تنسحب إلاّ على وظائف الفئة الأولى في الدولة. ولعل المشكلة الأكبر التي واجهت هؤلاء كانت في قضايا الزواج. ويروي العنداري لـ DW قصة "شاب مسيحي أراد أن يتزوج فطلبت منه الكنيسة العودة إلى التعمّد وإعادة المذهب إلى الهوية"، ولم تحل المشكلة إلا بوجود إخراج قيد عائلي يثبت مسيحية الأبوين.
ويؤكد العنداري أن غالبية من يشطبون مذهبهم من الهوية يتجنبون الاصطدام بالمؤسسة الدينية ويسافرون إلى قبرص أو تركيا لإجراء زواج مدني خصوصاً حين يكون أحد الزوجين من طائفة أخرى. ويرى العنداري أن "هذا الموضوع هو بمثابة خطوة تكرّس حق الإنسان في عدم الإعلان عن مذهبه. وتكرّس ايضاً الزواج المدني باعتباره حقا من حقوق المواطن. اضافة الى تكريس حق التمثيل السياسي لمن هو غير طائفي ولمن لا يريد الإعلان عن مذهبه أو دينه".
حجم الالتباس الحاصل بين الموظفين يظهر بوضوح، حيث يؤكد الشيخ قاسم أحمد لـ DW عربية، أن من شطب مذهبه يتم التعامل معه كأنه خرج من الدين، لأن ذلك له تداعيات حول قضية تسجيل الزواج والأولاد والحق في الإرث ما الى ذلك. لكن أحمد الموكل من المحكمة الشرعية بإجراء عقود زواج يؤكد أن هناك اجتهادات لقرار الوزير بارود بين قاض وآخر وموظف وآخر.
"شطب المذهب يفسر وكأنه خروج من الدين"
هذا التضارب حدث مع عامر (اسم مستعار) الذي أراد الحصول على ورقة تثبت بأنه أعزب بهدف الزواج من فتاة أجنبية. عامر قال لـ DW عربية "وافق القاضي على إعطائي الإفادة في حال تقدمت باخراج قيد عائلي يثبت ان والديي من الطائفة السنية، لكن الموظف رفض اعطائي إفادة العزوبية طالباً مني إمّا إعادة المذهب الى السجلات أو الإقرار عند المختار أن الشطب لا يوجب الخروج من الطائفة والدين".
الصحافية رشا أبو زكي كانت من ضمن المروجين لحملة شطب المذهب، عن هذه الحملة تقول لـDW عربية إن "أسبابا عديدة تقف وراء شطبي للمذهب، الأهم أنني لا اعتبر أن المذهب الذي أحمله أو أي مذهب ديني يعبّر عني، أو يجب ان يكون مذكوراً في هويتي، لأنني ملحدة، ولي الحق في عدم لصق أي صفة لا تشبهني على أي ورقة ثبوتية تخصني. كذلك، اعتبر أن وضع المذهب على الهوية هو إشهار بالاختلاف عن المواطنين الآخرين الذين ولدوا من آباء وأجداد يحملون مذهباً مختلفاً".
وتذكّر الناشطة اليسارية بالحرب الأهلية اللبنانية "حيث كانت حواجز الخطف والقتل على الهوية، منتشرة على جميع المحاور اللبنانية"، معتبرة أن إزالة هذه الصفة عن الهوية يمكن أن يكون خطوة تمهيدية للخروج من عقلية الحرب المذهبية، وعقلية التصنيفات المعلّبة للمواطنين اللبنانيين.
الخطوة ليست وليدة اليوم
وتخلص أبو زكي الى أن "هذه خطوة بسيطة نحو الوصول الى المواطنة في لبنان، يتبعها الكثير من الخطوات الأصعب، والتي حتى الآن لم تجد من يقوم بها بفعل الفرز المذهبي والطائفي الحاد في المجتمع اللبناني، ووهن الحركات والأحزاب اليسارية التي يمكن أن تحمل هكذا مشاريع".
وتشير الصحافية الناشطة إلى ان شطب الهوية ليس وليد السنوات الأخيرة فقد كانت هناك خطوة مماثلة في العام 1976، حين أقدم نحو 30 ألف مواطن على شطب طوائفهم عن الهوية كاحتجاج رمزي على ذكر الطائفة في الهوية، لكن السلطات الرسمية آنذاك اعتبرت ذلك بمثابة تزوير وقامت بملاحقة منظمي الحملة. وفي عام 1982 أصدر وزير الداخلية حينها صلاح سلمان، تعميمياً بعدم تخصيص خانة للمذهب في بطاقة الهوية لكن المشروع توقف لأسباب سياسية.
أما المهندس محمد عطوي فيبرّر شطب مذهبه بالقول لـDW عربية "هو ايماني بأن الخيارات الدينية هي مسألة خاصة. وعلى الدولة ألاّ تتورط بإظهار الأشخاص كمنتمين لمجموعات دينية، لكن كمواطنين، وعليها أن تبذل الأفضل من أجل خدمة مواطنيها، بقطع النظر عن العرق، أو العمر، أو الدين". وحول ما يمكن أن يواجهه من مشكلات نتيجة خطوته هذه يضيف عطوي:"لم أواجه أي مشكلة مع عائلتي حيث أعيش في كنف أسرة مؤمنة بالعلمانية والتنوع. لكن أصدقائي اختلفت ردود أفعالهم بحسب توجهاتهم السياسية".