عماد الدين حسين: ثلاثة أخبار من المغرب والمشرق العربى
٢٦ يناير ٢٠١٧فى يوم واحد هو الأحد الماضى 22 يناير كانت هناك ثلاث أخبار مختلفة، لا يجمع بينها إلا الصدفة البحتة، لكنها صدفة موحية جدا وتكشف بجلاء عن عمق الأزمة التى تمر بها المنطقة العربية شرقا وغربا وفى القلب حيث مصر.
الخبر الأول من الأردن حيث قدم قاضي قضاة الأردن الدكتور أحمد هليل استقالته من منصبه، وتم قبول استقالته فورا وتعيين سليمان الخصاونة محله.
كان هناك ما يشبه الإجماع فى التقارير الأردنية بأن سبب الاستقالة أو ربما الإقالة أن هليل ألقى خطبة يوم الجمعة الماضي بمسجد الملك حسين في العاصمة عمان، اعتبرها كثيرون مهينة جدا وأقرب إلى التسول. هليل خاطب دول الخليج فى خطبته قائلا: "لقد بلغ السيل الزبى.. اخوانكم فى الأردن ضاقت حولهم الأخطار واشتدت، وان الأردن سند وظهر ونصير لكم، فحذار ثم حذار أن يضعف الأردن، والأمور أخطر من أن توصف".
وفى النهاية طالبهم بالتحرك لإنقاذ الأردن ماليا من "الأخطار التى اشتدت حوله".
فى اليوم نفسه، كشف تقرير لمحطة "ال سي بي" الفرنسية أعده نائبان فرنسيان بلجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الفرنسي أن الأوضاع فى منطقة المغرب العربى مقلقة جدا، وشديدة الهشاشة لأن صحة حكام المغرب وتونس والجزائر صارت مقلقة وصعبة.
التقرير استغرق إعداده ستة شهور، ونشره مترجما يوم الأحد الماضى "موقع عربى 21" وجاء فيه أن الرئيس التونسى الباجي قايد السيسى سوف يبلغ تسعين عاما بعد شهور قليلة، والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة مصاب بجلطة دماغية منذ أربع سنوات، الأمر الذي أثر على قدرته على الحركة والكلام، في حين أن الملك المغربى محمد السادس "يعانى مرضا يتطور ببطء ويعالج بالكورتيزون".
يقول التقرير أن الإرهاب وتحدياته هو الشغل الشاغل لأجهزة الأمن فى البلدان الثلاثة التى تعاني تحديا ديمقراطيا فى مواجهة التطرف. هذه البلدان الثلاثة حسب التقرير تواجه صعوبات متنوعة بدرجات متفاوتة، لكن ما يجمع بينهم هو هشاشة الاقتصاد وخطورة الاضطراب الاجتماعية التي صارت تشكل قلقا يوميا، وهناك مخاوف من اندلاع شرارة "ثورة البطون الجائعة "في أي لحظة بهذه البلدان الثلاثة، حتى لو كانت الأمور أقل خطرا فى المغرب.
فى حين أن خلافة بوتفليقة هي الشغل الشاغل فى الجزائر، ورغم أن كل شىء يبدو هادئا، لكنه هدوء اصطناعي. التقرير يتحدث عن مخاوف فرنسية وأوروبية مما يحدث في الضفة الجنوبية من البحر المتوسط، مما يهدد الاستقرار فى أوروبا سواء من ناحية تدفق المهاجرين أو مزيد من العمليات الإرهابية، ويعتقد التقرير أن مستقبل الأمن الفرنسى والأوروبى ينطلق من تطوير المغرب العربى.
الخبر الثالث من مصر، حيث كان الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب يترأس جلسة البرلمان، أثناء مناقشة مشروع قانون عن عقود المقاولات والتوريدات والخدمات العامة، وتأثرها بتعويم الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية. عبدالعال خاطب أعضاء البرلمان وجميع المصريين قائلا: الوضع الاقتصادى ليس كما يتصوره البعض، بل هو حرج حرج حرج جدا وللغاية، وأنا أعني ما أقوله، على الجميع أن يتحملوا المسؤولية، وأنا أتحدث وفق معلومات حقيقية وواقعية وبأرقام موثقة". وفي الجلسة نفسها قال المهندس محمد السويدى رئيس ائتلاف "دعم مصر" المقرب من الحكومة، أن المسؤولية لابد أن تكون على الجميع، ولا يصح أن تتحمل الحكومة الفاتورة بمفردها، لأن الأوضاع سيئة".
مرة أخرى هذه ثلاثة أخبار عشوائية يجمع بينها أنها كانت فى يوم واحد. بالطبع قرأتها متفرقة، وفي نهاية اليوم أدركت أن هناك خيطا أساسيا يجمع بينها، وهي أن المنطقة العربية شديدة الاضطراب والهشاشة والقلق من المحيط -"الذى كان هادرا إلى الخليج الذى كان ثائرا"، فى حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ثم وصلنا إلى حالة من التفكك والبؤس، جعلت الأمم الأخرى تشفق علينا حينا، وتخشى من انتقال أمراضنا الخطيرة إليها حينا آخر.
المنطقة بأكملها تواجه تحدي الإرهاب والتطرف، الذي انقلب حربا أهلية فى العراق وسوريا واليمن وليبيا. وتواجه أزمة اقتصادية حادة وربما غير مسبوقة، جعلت الجميع ومن بينهم الدول الخليجية الغنية تلجأ إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة، بل والاستدانة، أو طرح سندات فى أسواق المال الدولية..
وإذا كان هذا حال الدول العربية الغنية فكيف يكون حال الدول التي تعاني من صعوبات اقتصادية ضخمة؟!.
رأينا مصر لا تجد مفرا من اللجوء إلى الدواء المر المتمثل فى تعويم عملتها الوطنية، ورفع أسعار المحروقات، الأمر الذى قاد إلي انفلات غير مسبوق فى أسعار السلع والخدمات الأساسية وغير الأساسية، وصار التحدي الاقتصادي يتقدم بمراحل على تحدي الإرهاب.
السودان حالها أصعب كثيرا والأمر نفسه فى موريتانيا، وسوريا والعراق واليمن يعيشون حربا أهلية دمرت كل شي من الحجر إلى البشر، ولبنان يكتوي بنيران الحرب الأهلية فى سوريا، والبحرين تتعرض لتهديدات وجودية من إيران، وهو الأمر الذي تعاني منه معظم بلدان الخليج.
إذا هذا الحال فى معظم البلدان العربية يسر عدوا، لكنه فى كل الأحوال لا يسر صديقا.
والسؤال: هل هذه الأوضاع ستدفع الحكومات والنخب العربية إلى إعمال العقل بتحديث مجتمعاتها، والاهتمام بالتعليم المنفتح، وبقية الخدمات، والقبول بالتعدد والتنوع في المجتمع، للخروج من هذا المأزق أم النزول إلى قاع أعمق؟!!.
الأيام والشهور المقبلة سوف تقدم لنا الإجابة.
الكاتب: عماد الدين حسين