عودة ترامب تربك حسابات أوروبا في علاقاتها بروسيا وأوكرانيا
٥ يناير ٢٠٢٥رغم تحذيرات الخبراء ومخاوف النخب السياسية، ورغم تجارب الاحتكاك السابقة مع إدارة دونالد ترامب الأولى بين 2016 و2020، يبدو أن القارة العجوز غير مستعدة بشكل جدي لعودة الرئيس الملياردير، الذي يعتزم إنهاء حرب أوكرانيابسرعة. ويخشى مراقبون أن يتحقق سلام دونالد ترامب وفلادمير بوتين على حساب مصالح أوكرانيا وأوروبا.
ولابد من التذكير بأن العدوان الروسي على أوكرانيا بدأ قبل ثلاثة أعوام، مدشنا حربا عشواء أسفرت عن مقتل وإصابة مئات الآلاف من المدنيين والعسكريين. كما استعملت موسكو كل أدوات القمع لإسكات الأصوات المعارضة للحرب.
وتعددت منذ أسابيع تكهّنات بشأن بدء محادثات سلام في مطلع عام 2025، تزامنا مع تصعيد على جبهات القتال التي تمتد على مسافة حوالى ألف كيلومتر. غير أن سيناريو تحقيق بوتين فوزا ساحقا وكاملا يبدو مع ذلك بعيد المنال.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "كوريير ديلا سيرا" الإيطالية (31 ديسمبر/ كانون الأول 2024) معلقة: "يبدو أن فلاديمير بوتين يهدف إلى عدم خسارة الحرب في أوكرانيا؛ حتى وإن عجز عن تحقيق الفوز الكامل. ذلك أن روسيا ضعفت اقتصاديًا وضعفت مكانتها الدولية لأنها انتهكت مبدأ أساسيًا من مبادئ القانون الدولي وهو: لا يجوز تغيير حدود الدول بالقوة. كما يبدو من غير المحتمل أن تؤدي المفاوضات بين دونالد ترامب وبوتين إلى هزيمة كييف وانتقال النصر إلى موسكو. ومعظم الدول الأوروبية ليست مستعدة للاعتراف بسيطرة الديكتاتور الروسي على أوكرانيا، وهي هدفه الذي سعى لتحقيقه من الحرب التي بدأها في فبراير/ شباط عام 2022. غير أن الانتهاء المحتمل للأعمال العدائية في عام 2025، لن يعني بالضرورة انتصارًا لبوتين"، تقول الصحيفة الإيطالية.
دور إدارة ترامب وآفاق توقف الحرب؟
تبدو الآمال ضئيلة في أن توقف روسيا تلقائيا هجماتها على جارتها أوكرانيا. وقبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في العشرين من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري، من غير المتوقع أن يكون هناك وقف لإطلاق النار، ومن المحتمل ألا يكون هناك حل سريع بعد ذلك أيضًا. وقد أوضح وزير الخارجية الروسيسيرغي لافروفهذا مجددًا في 26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وبدون اتفاق شامل مع الولايات المتحدة، لن يوافق الرئيس فلاديمير بوتين على أي هدنة، حسبما ما قال لافروف، فموسكو ترغب في التفاوض مباشرة مع القيادة الأمريكية الجديدة. وحتى ذلك الحين، ستواصل روسيا جهودها لتحقيق أهدافها العسكرية، وفقًا لما ذكره المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوما قبل تصريح لافروف حين قال: "نحن نرى الديناميكيات، وهي تتحدث عن نفسها، لذلك نحن نتقدم إلى الأمام".
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "إل موندو" الإسبانية (الأول من يناير/ كانون الثاني 2025) معلقة: "في ربع القرن الذي تولى فيه فلاديمير بوتين السلطة، حوًل روسيا إلى عملاق غير ليبرالي بأقدام من طين، فأصبح أكبر تهديد إمبريالي لأمن أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. الجاسوس (بوتين) الذي خلف بوريس يلتسين في 31 ديسمبر/ كانون الأول 1999 أصبح اليوم قيصرًا في التدهور والتراجع، إذ اختار مسارًا سلطويًا وقمعيًا داخليًا، وحربًا ضد الهيمنة الغربية في العالم، مما يستنزف موارد البلاد ويقوض التوازن النووي (..). رجل الكرملين القوي يريد الآن إنقاذ الوضع بسلام يمكنه من تسميته انتصارا، والذي سيُرسخ المكاسب الإقليمية في القرم ودونباس (20% من أوكرانيا)، أهداف أقل طموحًا بكثير من تلك التي بدأ من أجلها الغزو".
برلين بين المطرقة والسندان
امتحان صعب لبرلين في أفق عودة ترامب، فألمانيا عملت من داخل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على تقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، وشمل ذلك إرسال مساعدات عسكرية وأسلحة لدعم الجيش الأوكراني، بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.
وقد يسعى ترامب لتخفيف دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. وهذا قد يؤدي بدوره إلى تغييرات في استراتيجيات حلف الناتو، وقد تبرز بعض التحديات أمام ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى في تحديد موقفها بشكل مستقل. ومن غير المتوقع أن تغير ألمانيا موقفها بشكل جذري بسبب تغيير الإدارة الأمريكية، ولكن قد تكون هناك حاجة لتكييف استراتيجياتها اعتمادًا على مواقف واشنطن المستقبلية. وربما تظل ألمانيا ملتزمة بسياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ولكن قد تجد نفسها أكثر انفتاحًا على تبني سياسات مستقلة للتعامل مع الأزمة إذا كانت السياسة الأمريكية تحت قيادة ترامب أقل دعمًا لأوكرانيا.
وبهذا الشأن، نقل موقع "تاغسشاو" التابع للقناة الألمانية الأولى "ARD" (28 ديسمبر/ كانون الأول) كلاما لجون هيربست، المسؤول السابق عن الملف الروسي في الخارجية الأمريكية والسفير السابق لواشنطن في أوكرانيا، وقال الموقع الألماني: "يستعرض هيربست أربع نقاط رئيسية في خطة سلام محتملة لترامب. اثنتان منها يصعب قبولهما من قبل أوكرانيا: وضع الأراضي الأوكرانية فعلياً تحت السيطرة الروسية والتخلي عن هدف الانضمام إلى حلف الناتو لمدة 20 عامًا، أما النقطتان الأخريان فيصعب قبولها من قبل روسيا وهما: منطقة منزوعة السلاح مؤمنة من قبل القوات البرية الأوروبية (..) وتسليح أوكرانيا لحمايتها من الهجمات الروسية المستقبلية".
الغاز الروسي ـ انهيار جسر اقتصادي بين أوروبا وروسيا
توقفت صادرات الغاز الطبيعي الروسية عبر خطوط أنابيب تمر من أوكرانيا إلى أوروبا يوم الأربعاء (الأول من يناير/ كانون الثاني 2025) في تطور مثير، خصوصا وأن تدفق الغاز الروسي استمر رغم استمرار الحرب لما يقرب من ثلاث سنوات. وذكرت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي استعد لقطع الإمدادات. وقلص الاتحاد الأوروبي اعتماده على الطاقة الروسية منذ بداية الحرب من خلال شراء كميات إضافية من الغاز من النرويج عبر خطوط أنابيب وغاز طبيعي مسال من قطر والولايات المتحدة. وقال وزير الطاقة الأوكراني جيرمان جالوشينكو في بيان: "أوقفنا عبور الغاز الروسي. هذا حدث تاريخي. روسيا تخسر أسواقها، وستتكبد خسائر مالية". استغرقت روسيا أو الاتحاد السوفيتي السابق نصف قرن للحصول على حصة رئيسية من سوق الغاز الأوروبية بلغت 35 بالمئة، لكن حرب أوكرانيا قضت على كل ذلك بالنسبة لشركة غازبروم.
وبهذا الشأن علقت صحيفة "تايمز" اللندنية (الثاني من يناير/ كانون الثاني) وكتبت تقول: "كان من المتوقع منذ وقت طويل نهاية عبور الغاز الروسي إلى أوروبا. على الرغم من الحرب في أوكرانيا التي اقتربت من دخول عامها الثالث، كان الغاز الروسي لا يزال يمر عبر البلد الذي تم غزوه. لقد جلب الامتثال لاتفاقية العبور لكييف حوالي مليار دولار من الرسوم سنويًا، ولكنه بالكاد منحها أداة ضغط ضد موسكو. من المؤكد أن هذا الغاز ساعد في تمويل آلة الحرب الروسية (..) عواقب هذا القرار على أوكرانيا ليست كبيرة عكس ما كانت في السابق. فقد تم تقليص قدرة روسيا على الضغط على أوروبا بشكل كبير، حيث انخفضت تدفقات الغاز عبر أوكرانيا بالفعل بنسبة ثلاثة أرباع. وقد دعا الاتحاد الأوروبي دوله الأعضاء، بحكمة، على تقليل الاعتماد على الغاز الروسي والتخلي عنه تمامًا بحلول عام 2027. وبفضل التوسع السريع للغاز الطبيعي المسال، أصبح الاتحاد الأوروبي الآن قادرًا على تحمل توقف تدفق الغاز الروسي".
تفاقم التهديدات الروسية على أوروبا
زادت أشكال الابتزاز والحرب الهجينة التي تمارسها روسيا ضد أوروبا منذ اندلاع حرب أوكرانيا. ومن بين آخر فصول هذه التهديدات ما حذر منه الاتحاد الأوروبي وأسماه بـ"أسطول الظل" الروسي، وتعهد باتخاذ إجراءات عقابية بعد الاشتباه في تخريب كابل طاقة تحت الماء قبالة سواحل فنلندا.
وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية نشرت الاثنين (30 ديسمبر/ كانون الأول): "سيتخذ التكتل إجراءات أقوى لمواجهة المخاطر التي تشكلها هذه السفن". وأضافت كالاس: "أسطول الظل الروسي يهدد البيئة ويمول ميزانية الحرب الروسية"، مشيرة إلى أن هذه السفن يشتبه في تورطها في أعمال تخريب.
وكان كابل الطاقة البحري "إستلينك 2" بين إستونيا وفنلندا قد تعرض للتلف يوم الأربعاء (25 ديسمبر/ كانون الأول)، فيما يشتبه المسؤولون الفنلنديون بأنه قد يكون عملا تخريبيا.
وفي أعقاب الحادث، احتجزت السلطات الفنلندية ناقلة النفط "إيغل إس"، التي ترفع علم جزر كوك، ويعتقد أن مرساتها قد تسببت في إتلاف الكابل. وبحسب الاتحاد الأوروبي، قد تكون السفينة جزءا مما يعرف بـ"أسطول الظل" الروسي - وهو مجموعة من الناقلات وسفن الشحن الأخرى التي تستخدمها روسيا بشكل غير رسمي لتجنب العقوبات المفروضة على نقل النفط، على سبيل المثال.
وتأمل ألمانيا ودول أوروبية أخرى في أن تنتهي الحرب بأقل الخسائر الممكنة، حتى لا تتحول إلى مستنقع يستنزف قدرات الجميع.
وعلقت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية (27 ديسمبر/ كانون الأول) عن أزمة التكتل القاري مع روسيا وكتبت: "في ظل احتمال انسحاب واشنطن، تجد الحكومات الأوروبية نفسها عند مفترق طرق: فإما أن تولي القيادة في دعم كييف وتعوض الفراغ الذي تركته واشنطن، من خلال زيادة المساعدات الذاتية، كما ترغب دول الجوار الروسي؛ وإما أن تتحالف مع ترامب وتركز على حل دبلوماسي".
وتابعت "لا ستامبا" تعليقها قائلة: "هناك رئيس حكومة يحاول بشكل خاص تكييف أوروبا مع موقف ترامب: أولاف شولتس. ليس من قبيل الصدفة أن المستشار طلب من الرئيس الأمريكي المقبل التحدث عن "السلام". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كسر (شولتس) صمته الدبلوماسي الطويل تجاه موسكو فأجرى مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين. الآن، تدعي مصادر من الحزب الديموقراطي المسيحي (المعارض) أنه قد يقوم حتى بمهمة إلى العاصمة الروسية. ورغم أن هذا قد تم نفيه، إلا أن شولتس يريد استغلال الشهرين المتبقيين حتى الانتخابات الفيدرالية (الألمانية) للعمل على اتفاق معقول لإنهاء النزاع".
ح.ز