مصر: هل يسقط الشعب التعديلات الدستورية أيضا؟
١٨ مارس ٢٠١١يوضح الشاعر والصحفي محمد خير في حوار خاص مع دويتشه فيله كيف انتقل من "نعم " للتعديلات إلى "لا". لقد حركه للموافقة المبدئية التخوف من تشكيل هيئة تأسيسية لدستور جديد حاليا، حيث الجيش سيكون من يشكلها، فيما توفر التعديلات برنامجا واضحا لإنتخابات برلمانية عاجلة تنقل السلطة نسبيا إلي ممثلي الشعب، بالإضافة إلي إحتواء التعديلات علي نص يحدد سنوات الرئاسة بما يعني خضوع الرئيس القادم للمحاسبة الدورية كل أربع سنوات، لكن تغيير محمد خير لرأيه إلى رافض لهذه التعديلات ،جاء بعد أن أفرز النقاش فكرة الإعلان الدستوري المؤقت، والذي يضمن عمليا إنهاء العمل بدستور 1971 السيئ السمعة، كما يتضمن الإعلان الدستوري تنفيذ المرحلة الإنتقالية دون التورط في دستور جديد بالتوازنات الحالية. لذلك فضل "لا " إنطلاقا من ضرورة خوض الثورة إلي النهاية بعيدا عن أنصاف الحلول التي تقدمها التعديلات.
"لا" والقطيعة السياسية مع النظام السابق
ويرى الصحفي محمد خير أن الإصطفاف السياسي بين الإخوان وبقايا النظام السابق طبيعي وقائم على برجماتية كثيرا ما أشتهرا بها، فمن مصلحة الإثنين التفرغ فورا لحصد النتائج، بالنسبة للإخوان وضمان موقع في الثورة، بالنسبة لبقايا النظام السابق. لذا تمثل "لا" قطيعة نهائية حاسمة مع هذا التاريخ. ويرى الصحفي خير أن التجربة التونسية تختلف مع المصرية في هذا الشأن، فالإعلان الدستوري لا الهيئة التأسيسية أو المجلس الرئاسي هو ما ينفع في الحالة المصرية، فأي مجلس رئاسي الآن يحتوي على عنصر عسكري ،ما يعني بقاء الجيش مسيطرا، فيما الصراع علي جمعية تأسيسية سيكون عنيفا، لأن المعركة الدائرة حاليا أظهرت وجهتي نظر كبيرتين في موقف الطرفان من مفهوم هوية الدولة وعلاقتها بالمجتمع، هل مصر يصلح لها نظام برلماني أم رئاسي أم نظام مختلط؟ وهل تصلح الكوتة فيما يخص النساء والأقباط؟وما هو الموقف من تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50% من النواب؟ كل هذه القضايا لن تحل إلا بصراع طويل في الشارع بين التوجهين.
"نعم" لمعركة الآن وفورا
أما المدون والصحفي عمرو عزت فيوافق علي التعديلات الحالية إنطلاقا من مأزق الشرعية الثورية نفسها، فلا تيار ولاحزب شارك في الثورة يستطيع وحده حسم الأمر بدستور جديد مثلما فعل الضباط الأحرار مثلا في عام 1952، والضرورة تتطلب الآن الإنتقال فورا إلي المرحلة الديمقراطية، والبرلمان في هذه الحالة سيكون نقطة إنطلاق لسلطة مؤقتة، يمكن مراجعتها وتصحيحها، وعلي الرغم مما يراه من صياغة سيئة لهذه التعديلات وإنطلاقها من لجنة ذات حس قومي إسلامي إلا أنها مجرد لائحة إجرائية تسمح بتشكيل برلمان.كما ستتيح هذه التعديلات إخراج الجيش فورا من المعادلة فإدارته الحالية للبلاد تشكل كارثة بكل المقاييس، فهو يفض الإعتصامات بالقوة، ويمارس التعذيب، ولو سلمنا له فكرة الإعلان الدستوري سيأتي هذا الإعلان بشروطهم، والحل هو تجربة ديمقراطية سريعة تعيد فرز الثورة من جديد، وإلا تحولت الثورة إلي قوي معزولة في الميادين يشير عليها المصريون كقوي معطلة.
الباحثة السياسية إلهام عيداروس تري إمكانية عودة الجيش لثكناته حتي في ظل قول "لا" للتعديلات، فإعلان دستوري مؤقت علي أساس دستور 1954 سيكون كافيا لترتيب فترة إنتقالية، كما أن مجلس رئاسي يتعهد أشخاصه بعدم الترشح مستقبلا سيضمن خروج الجيش للأبد، أما الخطة الزمنية الحالية كما تطرحها التعديلات فهي غير مرضية ولا تضمن أصلا خروج الجيش من اللعبة السياسية، فلا يمكن أن تتحول الفترة الإنتقالية إلي وجبة سريعة التجهيز، وإنتخاب جمعية تأسيسية سيفرض علي الناخب العادي خيارت سياسية متعددة شبيهة بما يسمح به إنتخاب أعضاء البرلمان.
الجيش يستطيع العودة لثكناته دون"سلق" التعديلات
وتضيف الباحثة السياسية أن عودة الجيش إلي ثكناته مرتبطة أصلا بحالة الأمن لا بفراغ مصر من الهيئات المنتخبة كالبرلمان، فهو الآن يلعب دور الشرطة المفككة أجهزتها، وعودته مرتبطة بحزمة أهداف للثورة ستعمل المرحلة الإنتقالية على تنفيذها بشكل جيد دون"سلق"، وهي أهداف المحاسبة السياسية لكل من أفسدوا مصر، إقتصاديا وماليا وأمنيا، وتطهير الإعلام والقضاء والشرطة. كما ستسمح الجمعية التأسيسية بإطلاق الحريات السياسية وتعطي الفرصة لمدة عام تقريبا لبلورة والدفاع عن مصالح الثورة، أما عن فقدان الزخم أو الشرعية الثورية فهو فهم منقوص، فالثورة إنتقلت من الميادين إلي مرحلة تنظيم الجماهير علي أفكار سياسية واضحة وهي لاتقل ثورية عن حالة الإعتصام أو الإضراب، فيما التعديلات بصيغتها الحالية تعني إستقرار زائفا، إستقرارا لن يسمح للناس إلا بإخنيار بقايا الحزب الحاكم السابق أو الإخوان وهو مايعطي فرصة حقيقة للثورة المضادة.
"نعم" بحثا عن صلابة الثورة
غموض حجج تيارات"لا" للتعديلات هو مادفع الناشط السياسي وائل خليل إلي دراسة التعديلات وقول "نعم". فالتعديلات بصيغتها الحالية تضمن آلية زمنية ديمقراطية محددة الفترة، فالمادة 189 مكرر تضمن تشكيل جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد. والوصول لبرلمان بأسرع وقت ممكن هو ماسيضمن تحقيق أهداف الثورة الحقيقية، كالعدالة الإجتماعية ومحاسبة النظام السابق علي جرائمه السياسية، فالثورة لن تجلس في البيت بمجرد وجود برلمان بل سيتوفر لها نقلة نوعية، فإقرار الحد الأدني للأجور مثلا أو إصدار قوانين جديدة هو ما سيسمح للمواطنين بالدخول طرفا لأول مرة، فيما لايقدم معسكر "لا" أي تفاصيل عن من سيشكل اللجنة التأسيسية أو المجلس الرئاسي، ومحمد البرادعي مثلا يطالب الجيش بتعيين أعضاءها، وهنا نلاحظ عدم وجود برنامج واضح لرافضي التعديلات، ناهيك عن تمثيلهم للنخب. ويقول الناشط السياسي بكل وضوح:"أنا أريد مجلس نواب أتشاجر معه علي أهداف الثورة وأسقطه إن أمكن بدلا من جيش يري نفسه حكما بين السلطات، المجتمع النخبوي سيسطر علي فضاء المرحلة الإنتقالية ويمعن في تهميش الناس أصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة".و يرى الناشط السياسي أن القول بأن اي برلمان قادم لن يمثل الناس هو إهانة، فما هي ضمانة أن ينفرد الإخوان والوطني بمقاعده؟ لقد أسقط الشعب دون ثورة مرشحي الحزب الوطني في إنتخابات 2000و 20005، والحديث عن الجماهير الان كقطيع هو إحساس مهيمن.
هاني درويش - القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل