مقالب الأصدقاء.. تسلية ومرح أم مرض نفسي؟
١٩ فبراير ٢٠١٨يرى عدد من خبراء الصحة النفسية أن المقالب تعتبر من التصرفات التي تؤدي للأذى النفسي إذا زادت عن حدها وخرجت عن سياق المزحة الخفيفة. وفي حوارها مع DW عربية ترى الدكتورة ألفت علام، استشارية العلاج النفسي والإدمان في مصر، أن لفت الانتباه هو أحد أسباب القيام بالمقالب التي تكون أكثر شيوعا بين الأطفال حيث تتميز بالمشاكسة والمداعبة والبراءة أيضا، لكنها أحيانا قد ترتبط بالسمات الشخصية للطفل، فليس كل طفل يحب المقالب. وتضيف أن "الطفل الذي يقوم بعمل المقالب مع أصدقائه يكون غير قادر على خذ حقه، فيلجأ للمقلب كوسيلة غير مباشرة للرد على إساءة أحد أصدقائه أو التعبير عن الغضب. وأحيانا تكون المقالب بين الأطفال ظريفة حسب شخصية الطفل والموقف، لأنه يكون لطيفا لو حدث بشكل تلقائي حسب الموقف". فمثلا لو قام أحدهم في جو احتفالي بمقلب خفيف مضحك فلا بأس، لكن الخطورة تكمن فيما لو أصبح المقلب خارجا عن السياق، بمعنى أن الطفل يبالغ في المقلب ويخطط له فينقلب لموقف سلبي، حسبما أكدت علام.
أما المقالب بين الكبار فهي أكثر تعقيدا، إذ أن الأطفال ليس لديهم مهارات حياتية للتعبير عن المواجهة والمطالبة بحقوقهم، فيستخدمون طرقا غير مباشرة للتعبير مثل المقالب. أما الكبار فهم يستطيعون التعبير عن رأيهم. وتقول إمام "لو تم استخدام المقالب في سياق المرح والدعابة فلا بأس بها في حدود المسموح، لكن لو كان القيام بالمقالب أن سمة من سمات الشخص، فهنا تكمن المشكلة، إذ أنه يهين الآخرين طول الوقت بمقالبه". كما أن مستوى العلاقة يختلف وترى استشارية العلاج النفسي والإدمان أن: "المقلب مع الصديق المقرب يختلف عن زملاء العمل أو غير المقربين الذين ربما يتفهمون الموقف ولا يفسرونه بشكل سلبي أو باستياء إذا تم المقلب في حدود المعقول".
ومن جانبها ترى رنا الشيخة، الأخصائية النفسية بمؤسسة AWO EFB في برلين أن الموضوع له جوانب سلبية وإيجابية تختلف حسب المقلب نفسه. فالأمر نسبي، إذ يمكن أن نجد أشخاصا يتقبلون الصدمات ويتعايشون معها وآرخرون يصابون بصدمة. وتقول لـ DW عربية "كما هو الحال مع من نعمل معهم الآن ممن تعرضوا للحروب وغيرها. فقد تتعرض عائلة بأكملها لنفس الصدمة النفسية ولكن شخصا واحدا منهم فقط هو الذي أصيب بالصدمة وتأثر نفسيا. والسبب في ذلك أن هناك استعداد نفسي لدى البعض لتقبل الصدمات والبعض الآخر ليس لديهم قدرة على تحمل الأزمات سواء أكان مزاحا أو مشاكل حقيقية".
فالعامل الحاسم الوحيد هنا كما توضح الشيخة، هو شخصية الإنسان الذي تعرض للمقلب وتؤكد أنه "يجب أن نعرف هل هذا الشخص مرن ولديه الاستعداد النفسي، أم أنه أصلا لديه مشكلة وضرب هذا المقلب على الوتر الحساس؟". فهناك من يعانون من الفوبيا تجاه بعض الأشياء مثل خوفهم من حدوث مكروه لأطفالهم أو غيرها من الأمور. وعندما يصبح المزاح في هذ الإطار، فإنك بذلك تضع يدك على الجرح ولا يصبح الأمر مزحة وإنما "امتهانا للنفس البشرية" على حد قول الأخصائية رنا الشيخة.
المقالب بين الزوجين
وعن مدى تأثير المقالب على العلاقة الزوجية، تقول علام إن الأمر يختلف هنا لأن هذه العلاقة طويلة وعميقة حيث يعرف كل طرف تماما ما يضايق الآخر. ولكن لا يجوز أن يكون المقلب هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المرح أو التسلية. وتضيف أن "نوع المقلب يختلف، فمثلا مقالب الزوج أو الزوجة للفت الانتباه وإشعال نار الغيرة والحب كلها تؤدي إلى وقوع مشاكل بين الزوجين". وتتفق الشيخة مع علام بأن المقالب عند الكبار تكون "مدروسة ومخططة وتشبع عدة دوافع مثل الانتقام من شخص أو التخطيط مثلا لإفشال علاقة بين حبيبين، أما عند الصغار فيكون الوضع مختلفا حيث يقومون بها بشكل عفوي برئ".
مقالب التلفاز والأطفال
تأثير البرامج خطير جدا على الأطفال واليافعين، فهم لا يدركون مدى خطورة الموقف فربما يحاولون تجربة تلك المقالب مع أصدقائهم أو أنفسهم. وعن مواجهة تلك الظاهرة والتصدي لها تقول الشيخة "طالما تعرض تلك البرامج على التلفاز فليس بإمكاننا منع الأطفال من مشاهدتها، إذ قد يشاهدونها في الخفاء. لذا يجب التحدث معهم بأسلوب التوعية وتقديم المعلومات ونترك الحكم على الموقف لهم". أي أن نوضح للطفل عمق الموضوع ومدى خطورته وتوضيح الصور التي لا يرى منها إلا الجانب الفكاهى في إطار تمثيلي. ومن هنا يستطيع الطفل تحليل الموقف في كل أمور حياته ويعتاد عدم تلقي المعلومة فقط وإنما تحليلها ودراستها ومناقشتها.
وترى ألفت علام أن برامج مقالب التلفزيون لها تأثير خطير على الأطفال. فهم "ينجذبون للإثارة والمغامرة والموسيقى التصويرية بالإضافة للإتقان الشديد لتلك المقالب. ولكن يجب على الأب والأم التأكيد للطفل بأن كل ما يشاهدونه ما هو إلا تمثيل متقن". وتضيف أن المشكلة تكمن في "حالة صغر السن للطفل لدرجه لا تسمح له بالاستيعاب، فهذا يؤثرعلى نفسيته بل ويعلمه التخطيط للأذى بشكل أو بآخر إما بدافع التعبير عن الغضب بشكل غير مباشر أو لمجرد التسلية وتضييع الوقت " مما يجعله يرى السعادة والمرح في إيذاء الطرف الأخر.
عدوان خفي وامتهان للنفس
تعتبر علام التخطيط للمقالب "عدوانا خفيا" ويحتاج من يقوم به للمساعدة من المتخصصين لو أنه نمط أساسي في شخصيته. كما أكدت أن "التشجيع على المقالب والضحك كل مرة، يشجع الشخص على الاستمرار في المقالب وإيذاء الآخرين" لكن الرفض القاطع لها ضروري، وإلا "ننصحه باللجوء إلى متخصص نفسي ليساعده" حسبما أكدت علام في حوارها. وعن الحالات التي صادفتها قالت "هناك مقالب تسبب صدمة نفسية، فمن الحالات التي صادفتني طفل يبلغ من العمر 11 عاما وأصيب بصدمة نفسية شديدة بعد أن قام خاله بعمل مقلب بحبسه داخل مصعد منزله، الأمر الذي أدى لإصابة الطفل بحالة من الرعب أدت لإصابته بالتبول بشكل لا إرادي نتيجة الخوف الشديد".
أما الأخصائية الشيخة فتقول إن "الشخص القائم بالمقلب يعرف نقطة ضعف الضحية ويلعب عليها من أجل الضحك والتسلية، فليست كل المقالب مقبولة نفسيا". وتضيف أن مواجهة الشخص الذي يقوم بالمقلب تعتمد على مدى شدة ارتباطه بهذا الشئ هل يفعله فقط لأنه يحقق له السعادة والضحك أم أنه يعاني من شئ نفسي يعبر عنه في تلك الدعابة وفي تلك الحالة؛ فهذا الشخص يحتاج للعلاج والمساعدة نفسيا. أما من يفعلها بغرض المزاح فيجب أن يتحمل نتيجة ذلك ولا نبرر له أفعاله".
وتكمن أيضا خطورة المقالب في أنها يمكن أن تعيد تكرار حالة نفسية لشخص أصيب في حادث مثلا أو كان قد تعرض لأزمة نفسية سابقة وتكون لديه أعراض ما بعد الصدمة ومن خلال هذا المقلب يمكن أن يحقق له استعادة لكل ما سبق من تجارب مؤلمة. وتضيف الشيخة "الخوف هو أن يتعرض الشخص لمقلب ويشعر من خلاله بتهديد لحياته مثل أن يقوم شخص بتهديد صديقه بأنه سيصدمه بالسيارة وهذا الشخص أصلا عاش تلك التجربة من قبل أو أصيب في حادث سابق أو خسر شخصا من المقربين له في حادث مماثل" فبذلك يحدث إحياء لتلك الذكرى المؤلمة التي تعتبرها الشيخة "امتهانا للنفس البشرية" والغرض هو مجرد التسلية على حد قولها.
سارة ابراهيم/ ع.ج