ملفات شائكة تنتظر فنلندا خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي
٢ يوليو ٢٠٠٦انتهت مهمة رئاسة النمسا للاتحاد الأوروبي لتتسلم الراية منها فنلندا لمدة ستة أشهر. وفي محاولة لتقييم فترة الرئاسة النمساوية يمكن القول بأنّها اتسمت بمنعطفات مختلفة ما بين نجاح وإخفاق. فمن الملفات الشائكة التي تمكنت من التعاطي معها بنجاح أزمة الطاقة الروسية-الاوكرانية والتي نظر إليها في العالم الغربي على أنها نوع من توظيف للنفط كسلاح سياسي. وفي هذا السياق، يرى كثير من المراقبين أن مسألة الطاقة احتلت أولوية في فترة الرئاسة النمساوية. و يضاف إلى رصيدها أيضا عملها الدؤوب في العمل على إحياء المشروع الأوروبي والسعي نحو توسعة نشاطه وامتداده بطريقة ممنهجة ومدروسة. ورغبة منها في التوسع المقنن اقترحت مشروعا يحدد للمرة الأولى مسألة الطاقة الاستيعابية بأنها معيار للتوسع.
ومن جهة أخرى، فإذا كانت النمسا أنجزت في جوانب عدة، فإنها أخفقت في إضفاء نوع من الديناميكية على نشاط الاتحاد الأوروبي الذي ظل أسير ترهله الإداري والمؤسسي. وكذلك أنها لم تنجح في تحقيق اختراق كبير في المسائل الشائكة والمعقدة مثل الدستور الأوروبي، خاصة بعد رفضه في كل من فرنسا وهولندا وكذلك التوافق على الميزانية العامة للاتحاد وسياسة تحرير السوق. ويرى يوهانس بولاك ، خبير شؤون الاتحاد الأوروبي من الأكاديمية النمساوية للعلوم بأنّ الرئاسة النمساوية لم تنجح في تحريك سياسة العمل في الاتحاد الأوروبي واكتفت في كثير من الأحيان بترحيل الملفات الشائكة إلى الدورات القادمة.
الرئاسة الفنلندية: طموحات ومعوقات
تتسلم فنلندا رئاسة الاتحاد الأوروبي في مرحلة حرجة بالنسبة لدول الاتحاد ال25 نظرا لعظم الملفات التي ترقبها، فمهمتها لن تكون معبدة بالورود، بل تنتظرها ملفات معقدة ومرحّلة من الفترة السابقة. يضاف الى ذلك تنوع المواضيع على أجندتها ما بين قضايا داخلية تخص الاتحاد الأوروبي وخارجية مثل العلاقة مع الولايات المتحدة والتعامل مع الملفات الساخنة مثل الملف النووي الإيراني وملف الشرق الأوسط. وفي السياق ذاته، ستحتل مسالة توسعة الاتحاد مرتبة متقدمة في أجندتها كما يتوقع أيضا أن تحتل قضية تطوير العلاقات مع روسيا مساحة واسعة في جهودها. ولكن من جهة أخرى، يرى كثير من المراقبين أنّه لن تكون هناك اختراقات كبيرة في فترة الرئاسة الفنلندية في النصف الثاني من السنة التي ستكون قصيرة جدا، كونها لا تتضمن إلا أربعة أشهر من العمل الفعلي بسبب العطلة الصيفية وعطلة عيد الميلاد.
وفي معرض توقعاته من الرئاسة الفنلندية، أشار اندرلاو مورافيسك، مدير معهد برنامج الاتحاد الأوروبي في جامعة برنستون إلى أنّ فنلندا ستعمل على زيادة إنفاق الاتحاد الأوروبي في مجال البحث العلمي الذي تنفق عليه سنويا ما يقارب 3 بالمائة وهو أعلى بكثير منه في إيطاليا وفرنسا على سبيل المثال. وكذلك ستعمل على تقديم تجربتها في تطبيق نظم تعليمية متقدمة على دول الاتحاد للاستفادة منها. وستحاول نشر أنموذجها بشأن التنافسية الاقتصادية بين شركاء الاتحاد الأوروبي. ومن الأولويات الأخرى للرئاسة الفنلندية قضايا الشفافية والتحديث والتنافسية والبيئة وهي مسائل يمكن لها أن تحدث فيها تقدما ملموسا.
انضمام تركيا
وسيكون هذا الملف من أبرز الملفات الشائكة التي ستتعاطى معه فنلندا، خصوصا وأنّها تتبنى موقفا متشددا من مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الفنلندية بِأن المفاوضات مع تركيا حول انضمامها للاتحاد قد تتوقف في كل لحظة ما لم تمتثل أنقرة لشروط الاتحاد والسماح للطائرات والسفن القبرصية باستخدام موانئها الجوية والبحرية. وأضاف في مؤتمر صحفي له في بروكسل :"هذا ليس تهديدا. أريد فقد ان أشير إلى حقيقة أن ذلك سيثير قضية خطيرة في المفاوضات بل وربما يعرض استمرار المفاوضات للخطر."، مضيفا " سنعمل بجدية لإيجاد وسائل لمنع نشوء موقف مثير." ومن ناحية أخرى، تقول تركيا بأنّها ستسمح بذلك فقط إذا نفذ الاتحاد الأوروبي تعهداته بتخفيف العزلة الاقتصادية المفروضة على القبارصة الأتراك وذلك من خلال السماح بعلاقات تجارية مباشرة مع شمال قبرص، حيث يرفض الاتحاد الأوروبي هذا الربط.
وفي مسألة صراع الشرق الأوسط، من المتوقع أن تولي فنلندا هذه القضية أهمية من حيث تفعيل دور الاتحاد الأوروبي في عملية السلام في الشرق الأوسط من خلال دفع عمل اللجنة الرباعية وخارطة الطريق. وفي سياق متصل وفي أول تعليق فلندي بعد تسلم رئاسة الاتحاد على الأحداث الأخيرة في غزة، قال رئيس الوزراء الفنلندي ماتي فانهانين: "إنه يتعين على إسرائيل إطلاق سراح عشرات المسؤولين الفلسطينيين المحتجزين ويتعين على الفلسطينيين إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي على الفور." وفي مقابلة له مع صحيفة دي فيلت الألمانية قال فانهانين: "إنني قلق للغاية من التطورات في الشرق الأوسط. والطريقة الوحيدة لحل الصراع هي العودة لطاولة المفاوضات".
العلاقات مع روسيا
وعن أهمية الشريك الروسي، سيحضر الاتحاد ثلاثة اجتماعات قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأشهر الخمسة المقبلة تتمحور أساسا حول مسألة تأمين مصادر الطاقة. وعن حجم هذا التعاون وأهميته، قال فانهانين:" بالطبع عندما نناقش البعد الخارجي لتأمين مصادر الطاقة فان جزءا من تأمين الطاقة للاتحاد الأوروبي هو إيجاد بدائل في المستقبل خاصة عندما نناقش قضية إمدادات الغاز الطبيعي." وأشار أيضا إلى أنّ الاتحاد سيعمل على توثيق تعاونه مع روسيا وذلك من خلال المفاوضات حول المسائل العالقة وتحديث اتفاق الشراكة في قمة مقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
الملف النووي الإيراني
يشكل هذا الملف إحدى الإشكاليات التي ستواجه فنلندا، إذ تتداخل فيه المصالح ما بين دول الاتحاد المختلفة التي ترتبط بعلاقات تجارية مع إيران وقد تتقاطع مع شركاء آخرين كالولايات المتحدة الأمريكية. فالتهديد الأمريكي بعرض الملف من جديد على مجلس الأمن والتهديد باستصدار قرار قد يتيح استخدام القوة ضد إيران أو التهديد بفرض عقوبات اقتصادية قد يشكل تحديا للرئاسة الفنلندية. وفي معرض تطرق وزير الخارجية الفنلندي الى هذا الملف، أوضح بأنّ العرض الأوروبي يشكل أساسا جيدا للنقاش ما بين الاتحاد الأوروبي وإيران وأنه يمكن البناء عليه من أجل الوصول إلى حل سلمي وتجنيب المنطقة ويلات التصعيد العسكري.