نبض الشارع المصري في الانتخابات
في حين وجد البعض أنه لا فائدة لأصواتهم الانتخابية، وبقوا في منازلهم، بقى آخرون وقد ملأهم الغضب لأنهم لم يستطيعوا المشاركة، إذ حاولوا منذ فترة وبعد الإعلان عن الانتخابات استخراج بطاقة انتخابية، فقابلهم الرد: "تعالوا مرة أخرى في شهر نوفمبر". فبقوا في بيوتهم تملأهم الحسرة ويتساءلون لماذا يسمح للشباب من دون الثالثة والعشرين بالانتخاب بالبطاقة الشخصية دون الحاجة لبطاقة انتخابية بينما لا يسمح للآخرين، في الوقت نفسه مر اليوم "عادياً" جداً بالنسبة للبعض ربما دون أن يشعروا حتى بوجود انتخابات. وفي الوقت الذي يسعى فيه البعض، خاصة من الشباب إلى التغيير، يقول آخرون "من نعرفه أفضل ممن لا نعرفه" وهو الأمر الذي جعل الكثير من المصريين ينتخبون الرئيس مبارك كما يؤكد بعض المحللين السياسيين المصريين.
لا للتغيير
ومن هؤلاء المتحمسين لمبارك محمد صقر (22 سنة)، وهو مهندس زراعي يرى في مبارك بطلاً ويقول عنه: "إنه يكمل رحلتنا. إنه رجل عادل وصالح". وهو ما يوافق عليه أحمد عبد المحسن (70 عاماً) من الفيوم، الذي أكد أنه سيصوت لمبارك. ويوافق الكثيرون على هذا الرأي، كما يرى البعض أنهم يعرفون مبارك بعيوبه ومميزاته، ويؤكدون أن لديه خبرة طويلة في قيادة البلاد خاصة في ناحية السياسة الخارجية. ويرى بعض المحللين السياسيين، أن المصريين بشكل عام يخشون التغيير. وبينما ذهب بعض هؤلاء للتعبير عن آرائهم في صندوق الانتخاب، مر اليوم على البعض وهم يخالجهم شعور بأن رأيهم لن يغير القليل أو الكثير، ومعظمهم من جيل تعود على تزوير الانتخابات، وعلى عدم وجود ديمقراطية حقيقية. من بينهم منى (58 سنة) التي تقول: "لا معنى للانتخابات، لقد تعودنا أنها مزورة وأن النتيجة معروفة حتى من قبل أن ننتخب" أما فوزي الليثي (47 سنة)، وهو يعمل كميكانيكي، فبالرغم من عدم اعتقاده بإمكانية أن يخسر مبارك، إلا أنه ذهب للانتخاب لأن هناك سخط عام "نريد الاصلاح".
شباب يسعى إلى التغيير
لكن محمد (23 سنة) اختار ألا يشارك في الانتخابات بإدلاء صوته فقط، ولكن أن يشارك أيضاً في كمراقب للانتخابات فتطوع مع ائتلاف المجتمع المدني لمراقبة الانتخابات مع آلاف من الشباب مثله. وفي حديث لموقع الدويتشه فيله معه قال إنه منع من دخول اللجنة التي ذهب لمراقبتها في الإسكندرية مثل الكثير من زملائه من المراقبين المدنين في معظم مدن مصر. لذلك فقد جلس خارج اللجنة يحاول مراقبة الوضع واستنتاج ما يحدث. ويؤكد محمد إنه يلاحظ أن الإقبال ضعيف جداً وأن معظم من جاءوا للانتخاب كانوا تابعين للحزب الوطني، كما لاحظ أن كثير من الأقباط جاءوا بناءاً على دعوة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والذي دعا الأقباط لانتخاب مبارك. ومحمد وإن كان لا يعتقد أن يحدث تغيير حقيقي عبر هذه الانتخابات إلا أنه يؤكد إيمانه بأن الشباب هم المستقبل واهتمامه المتزايد بالسياسة ومحاولاتهم المتتالية للقيام بتغيير هي الأمل لغد أفضل لمصر.
أما مينا (24 سنة)، وهو أحد الأقباط فهو يعترض على تدخل المسئولين الدينيين في الانتخابات ومحاولة تأثيرهم على أقباط مصر ودفعهم إلى انتخاب مرشح الحزب الوطني. ولكنه رفض المشاركة في الانتخابات ملبياً دعوة حركة "كفاية" بمقاطعة الانتخابات، وقال لموقع دويتشه فيله عن هذا الأمر: "إنني مقتنع بأن الانتخابات مهزلة أقيمت لتعطي مبارك شرعية للحكم، وهو في نهاية الأمر يحكم منذ 24 سنة دون شرعية. هناك رسالة نريد توصيلها." ويرى مينا في هذه المقاطعة وسيلة قوية للتعبير عن اعتراض قطاع كبير من الشعب، فلا معنى من إقامة انتخابات تعرف نتيجتها مسبقاً. وبالرغم من أن عدم مشاركتهم قد تؤثر على النتيجة في النهاية إلا أنه يرى أن العدد المشارك في النهاية سيكون له أثره.
ولكن أحمد (27 سنة) يختلف مع مينا، إذ يرى أن المشاركة هي الأمل الوحيد للتغيير: " إننا نعلم جيداً أن مبارك سيفوز، ولكننا نريد على الأقل أن يكون الفائز بالمركز الثاني هو الاختيار الحقيقي للشعب. أنا قطعت سفري خصيصاً لأنتخب، وسأنتخب نعمان جمعة فحزب الوفد له تاريخه. ولست الوحيد فكل أصدقائي وأساتذتي في الجامعة شاركوا في الانتخابات لهذا الهدف نفسه.
اليأس يمنع البعض من الخروج للانتخابات
ولكن هذا الموقف لم يكن موقف الكثيرين، فقد أكدت آية (35 سنة) لموقع دويتشه فيله، أنها يائسة من نتيجة الانتخابات بل ومحبطة من المرشحين أنفسهم، لذلك فقد قررت الامتناع عن الانتخابات: " لم أذهب لأن كل المرشحين في رأيي غير مناسبين بما فيهم مبارك، وبالتالي فأنا غير مهتمة بنتيجة الانتخابات، فالنتيجة واحدة" وهي ترى أن برامج المرشحين كانت سيئة للغاية وأنهم يفتقدون جميعاً للخبرة السياسية. وربما ترى أن أفضل الاختيارات هي مبارك، ولكنها في النهاية غير مهتمة، فهي ترى أن الأحوال في النهاية لن تتغير كثيراً بالنسبة للناس: "في كل الأحوال دائماً ما يعدون ولا يحققون وعودهم، كلهم سيسرقون البلد ولن تتغير أحوال الناس، ثم أن الوحيد الذي ينافس مبارك بالفعل وهو نعمان جمعة كان محامي يوسف والي في قضية إدخال المبيدات المسرطنة إلى مصر، فكيف أختاره ليكون رئيساً للجمهورية." وتؤكد آية أنها ومعظم المثقفين لن يذهبوا للانتخاب. حتى أنها تعجبت من الجو الهادئ الذي ملأ شوارع القاهرة في يوم الانتخاب ويوافقها فولفجانج (27 سنة) الرأي، إذ يرى أن رأيه لن يؤثر كثيراً كما أنه يجد أن عرض المرشحين لبرامجهم لم يكن بالأمر الكافي للتعرف عليهم. وهو أيضاً لا يثق في وعود المرشحين ولكنه يضيف: "في النهاية النتيجة معروفة، سواء زورت الانتخابات أم لم تزور فسيفوز مبارك، إذاً لماذا أنتخب؟"
تقرير: سمر كرم