هل جندت روسيا يمنيين قسرًا للقتال في أوكرانيا؟
٨ ديسمبر ٢٠٢٤أحمد (اسم مستعار) لم يحالفه الحظ، بحسب ما رواه صديق مقرب من عائلته، فقد جرى تجنيده من قبل وسيط للعمل في روسيا، وقد وعده الوسيط بأن الأجر سيكون مجزيًا. وافق أحمد على العرض، لكن بدلاً من العمل كما وُعد في منجم فحم روسي، وجد نفسه بعد وقت قصير مجبرا على التواجد في الخطوط الأمامية في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. هناك، جرت معاملته بقسوة شديدة، وفقًا لما رواه صديق عائلته لـDW ، وأضاف صديق أحمد: "أُجبر على القتال في الجبهة."
أدلى شهود يمنيون آخرون بتصريحات مشابهة لـ DW، إذ أفادوا بأن أصدقاء أو معارف لهم استدرجوا إلى روسيا عبر وعود كاذبة بالحصول على عمل. لكنهم، بدلاً من ذلك، أُرسلوا إلى الخطوط الأمامية في الحرب الروسية الأوكرانية.
يقول شاهد في اليمن لـ DW إنه لديه صديق موجود حاليًا على الجبهة. وأوضح أن هذا الصديق وبقية اليمنيين هناك مقطوعون تمامًا عن وسائل الاتصال. ويجري التواصل معهم فقط عبر شخص واحد يمكنه إرسال رسائل مسجلة سرًا إلى الأبناء أو الإخوة أو أفراد عائلة آخرين في اليمن.
وأضاف الشاهد: "لا يمكن لأحد الوصول إليه، ولا يستطيع أحد مساعدته. اليمنيون في الجبهة معزولون تمامًا". وأشار إلى أن صديقه هو جزء من مجموعة تضم 24 شخصًا جُندوا من مدن صنعاء و تعز والمناطق المحيطة بهما.
وعود كاذبة
تتطابق تصريحات الشهود الذين تحدثت إليهم DW مع نتائج التحقيقات التي أجرتها منظمة "سام" اليمنية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من جنيف مقرًا لها، والتي تستند إليها أيضًا وزارة الخارجية الأمريكية في تقاريرها عن اليمن.
وقال توفيق الحميدي، مدير منظمة "سام"، في حوار مع DW، إن عدد الجنود اليمنيين الذين يقاتلون في الجبهة الروسية - الأوكرانية لا يمكن تحديده بدقة، لكنه قد يتراوح بين 500 و700 شخص، وربما أقل من ذلك بقليل.
وأوضح الحميدي أن هؤلاء الشباب جرى تجنيدهم من خلال شبكة دولية تعمل عبر الحدود. وأردف قائلاً: "يعدهم موظفو هذه الشبكة بوظائف غير عسكرية في روسيا ، مع إمكانية كسب ما يصل إلى 10000 دولار أمريكي."
مدفوعون بالحاجة
تعود استجابة الشباب لهذه العروض في الأساس إلى الأوضاع الصعبة في اليمن بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب. "لا توجد أي آفاق مستقبلية، إضافة إلى أن كثيرين لم يعودوا قادرين على تحمل الارتفاع الهائل في الأسعار. وقد استغل بعض تجار البشر هذه الظروف لصالحهم وجنّدوا شبابًا يمنيين"، يقول مدير منظمة "سام".
أكد الشهود الذين تواصلت معهم DW في اليمن روايات مشابهة. وقال أحد الشهود إن معظم أعضاء المجموعة المكونة من 24 شخصًا، الذين يعرفهم، غير متزوجين. وأضاف: "أحد المقاتلين كان قد انفصل عن زوجته مؤخرًا بسبب مشاكله المالية. وفي ظل هذه الظروف المرهقة، وافق على التجنيد."
وأشار الشاهد إلى أن الوضع المالي الصعب ينطبق على بقية الضحايا أيضًا. وأوضح أن هؤلاء الشباب وافقوا على السفر إلى عُمان، حيث وقعوا العقود المطلوبة. وأضاف: "لم يفكر هؤلاء الشباب في العواقب المحتملة لما أقدموا عليه."
دور الحوثيين
كانت صحيفة "فاينانشال تايمز" أول وسيلة إعلامية غربية تسلط الضوء على المقاتلين اليمنيين في الحرب الأوكرانية . وأشارت الصحيفة إلى أن العقود التي وقعها اليمنيون، والتي حصلت عليها "فاينانشال تايمز" ، تشير إلى شركة أسسها عبد الولي عبده حسن الجابري، وهو سياسي بارز في ميليشيات الحوثيين. وسجلت هذه الشركة في سلطنة عمان كمشغل رحلات وكموزع لمعدات طبية وأدوية.
وبحسب تقرير منظمة سام لحقوق الإنسان، فإن شخصا مجهول الهوية يُدعى "دميتري" متورط أيضًا في عمليات التجنيد. ويُعتقد أنه يعمل في القنصلية الروسية في عمان، إضافة إلى نشاطه في مكتب الجابري. وأوضح التقرير: "كان دور دميتري محوريًا في تسهيل العمليات بين الأطراف"، مما يشير إلى وجود تنسيق عالٍ بين الروس والحوثيين.
وذكر التقرير أن اليمنيين وقعوا عقودًا غالبًا لم تكن مترجمة إلى اللغة العربية، ولذلك لم يفهموا مضمونها بشكل كاف. ونتيجة لذلك، وجدوا أنفسهم في روسيا في ظروف مختلفة تمامًا عن تلك التي وعدوا بها شفهيًا.
وأضاف التقرير أن اليمنيين، بعد وصولهم، تعرضوا لانتهاكات جسيمة. وأوضح: "من بين هذه الانتهاكات، إجبارهم على القتال في ظل ظروف قاسية وغير إنسانية، مع توفير القليل جدا من الغذاء وعدم تقديم أي رعاية طبية." وأشار التقرير إلى أن القصف في الخطوط الأمامية يؤدي إما إلى إصابتهم بجروح بليغة أو إلى مقتلهم.
مرتزقة مقابل مجندين
تشير تقارير، منها تقرير صادر عن مركز الأبحاث الأمريكي "اتلانتك كونسل" إلى أن عمليات التجنيد تخدم مصالح الحوثيين وروسيا على حد سواء. فبالنسبة لروسيا، تساعد الشباب اليمنيين في تعزيز جيشها الذي يعاني من نقص في الأفراد. ووفقًا للتقرير: "تأتي هذه العملية ضمن جهود روسية أوسع لتجنيد مهاجرين من اليمن، نيبال، الهند، وكوريا الشمالية لتعويض الخسائر الفادحة في ساحة المعركة."
أما الحوثيون، وفقًا لما أورده مركز "المجلس الأطلسي" (Atlantic Counci) استنادًا إلى تقرير لوكالة رويترز، فيحصلون على مكافآت مالية مقابل خدماتهم. بالإضافة إلى صواريخ روسية حديثة. ويستخدم الحوثيون هذه الصواريخ في هجماتهم على الملاحة الدولية في البحر الأحمر . وتسعى الميليشيا أيضا إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا. ومن جهة أخرى، تحاول روسيا توسيع اتصالاتها في الشرق الأوسط مع جماعات معادية للولايات المتحدة.
بالنسبة للشباب اليمنيين الذين جندوا، فيبدو أنهم لم يكونوا مدركين لتبعات قراراتهم. ووفقًا لشاهد تحدث إلى DW، فإن معظم عائلات هؤلاء الشباب فقدت الاتصال بهم الآن. وأضاف الشاهد: "العائلات لا تعرف كيف هي أحوالهم. هناك تقارير تفيد بأن البعض منهم مفقود، وآخرون مسجونون، والبعض الآخر قُتل."
أعده للعربية: عباس الخشالي