اللاجئون السوريون في ألمانيا بعد سقوط الأسد: عودة أم بقاء؟
١٢ ديسمبر ٢٠٢٤جاء خبر نهاية نظام بشار الأسد في سوريا مفاجئًا للسياسيين والمجتمع في ألمانيا مع بداية الحملة الانتخابية للانتخابات المبكرة. وبسرعة سُمعت أصوات تطالب بضرورة عودة السوريين الآن إلى وطنهم بأسرع ما يمكن، من أجل تخفيف الضغط في قضية اللجوء والهجرة شديدة الاستقطاب في ألمانيا. ثم سادت الأصوات الأعمق فكرًا، والتي دعت إلى إبعاد هذا الموضوع عن حملة الانتخابات البرلمانية (بوندستاغ) الجديدة المحتملة في 23 شباط/فبراير 2025.
وفي رد فعل أولي، قرر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين تعليق البت في طلبات اللجوء للأشخاص القادمين من سوريا. علمًا بأنَّ معظم هذه الطلبات كانت مبنية على الاضطهاد من قبل نظام الأسد.
بوشمان: المندمجون جيدًا يجب أن يتمكنوا من البقاء
وفي يوم الاثنين ()، قال على قناة آر تي إل (RTL) التلفزيونية الألمانية ماركو بوشمان، الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر المقرب من الاقتصاد: "إذا جاء أشخاص إلى ألمانيا قبل عدة سنين، وربما يكون بعضهم قد حصلوا على الجنسية الألمانية وبإمكانهم كسب قوتهم من عملهم الخاص، فيجب أن تكون لديهم آفاق للبقاء".
ولكن الوضع يختلف مع الأشخاص الذين يعيشون على الدخل المحوّل من الدولة، وهؤلاء يشكلون الأغلبية، بحسب تعبير ماركو بوشمان: "يمكنهم بطبيعة الحال البقاء لدينا فقط طالما كانت توجد أسباب قانونية لذلك؛ وهذه الأسباب كانت مبنية على الحرب الأهلية". وماركو بوشمان سياسي ليبرالي شغل منصب وزير العدل الاتحادي حتى نهاية ما يعرف باسم ائتلاف إشارة المرور بين الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والحزب الديمقراطي الحر في بداية تشرين الثاني/نوفمبر.
ينس شبان مع العودة السريعة
وقبل ذلك كان السياسي ينس شبان، من أكبر حزب معارض في ألمانيا حاليًا (حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي)، قد أدلى بتصريحات مماثلة فقال: "أود القول كخطوة أولى إنَّنا نقدم عرضًا. ماذا لو قالت الحكومة الألمانية إنَّ: كل مَنْ يريد العودة إلى سوريا، سنحجز له تذكرة العودة ونمنحه ألف يورو كمساعدة من أجل البداية". وفي الوقت نفسه، اقترح ينس شبان تنظيم مؤتمر مع النمسا وتركيا والأردن حول إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين.
وهنا تبدو لهجة وزير داخلية ولاية بافاريا، يوآخيم هيرمان من الاتحاد المسيحي الاجتماعي، الحزب الشقيق لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أكثر تحفظًا. فقد صرح لإذاعة دويتشلاندفونك أنَّه لا أحد ستخطر بباله فكرة أن يُبعد من البلاد أشخاصًا يعتمدون على أنفسهم ولديهم عمل جيد في ألمانيا. وأضاف: "الأشخاص المندمجون جيدًا مدعوون بحرارة للبقاء هنا".
أما حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف جزئيًا، فهو يستخدم اللهجة الأكثر شدة في هذا النقاش حول هذا الأمر. فقد كتبت مرشحته لمنصب المستشار أليس فايدل على قناتها بمواقع التواصل الاجتماعي: "من الواضح أنَّ مَنْ يحتفل بسوريا الحرة في ألمانيا لم يعد لديه أي سبب للجوء. ويجب أن يعود فورًا إلى سوريا".
هذا وقد حذرت في حديث مع DW النائبة عن حزب الخضر في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) لمياء قدور، التي ينحدر والداها من سوريا، من الاستنتاجات المتسرعة، بقولها: "يجب على الحكومة الألمانية الآن أن تراقب الوضع في سوريا بموضوعية كبيرة، وأن تهتم بمنح الحماية للأقليات بشكل خاص".
وأضافت سياسية حزب الخضر لمياء قدور أنَّ الحكومة الألمانية يجب عليها الانتظار بضعة أيام أخرى حتى يكون من الممكن إجراء تقييم جدي. وتساءلت: "كيف يبدو تقسيم السلطة الجديد؟ وكيف يمكن إجراء اتصالات مع هيئة تحرير الشام، التي ما تزال مصنفة في ألمانيا كتنظيم إرهابي؟".
المستشار شولتس والوزيرة بيربوك ينتظران
وكذلك تعاملت حتى الآن حكومة الأقلية الحالية المكونة من الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر بتحفظ: فقد وصف المستشار أولاف شولتس (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي) في رد فعل أولي في نهاية الأسبوع الماضي سقوط بشار الأسد بأنَّه "خبر جيد". وقال إنَّ الأسد "قمع شعبه بوحشية، وأزهق أرواحًا لا تعد ولا تحصى، وأجبر الكثير من الناس على الهروب من سوريا".
وفي بداية الأسبوع، أُعلن أنَّ المستشار الألماني أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الوضع في سوريا. وأنَّهما مستعدان للعمل مع الحكام الجدد في دمشق.
كما تحدثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك (من حزب الخضر) حول "لحظة أمل" بالنسبة لملايين السوريين. وحذرت من خطر وقوع سوريا الآن في أيدي "متطرفين آخرين - بصرف النظر عن انتمائهم".
وكذلك دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ)، ميشائيل روت (من الحزب الديمقراطي الاشتراكي)، إلى الانتظار: فقد حذر على قناته بمواقع التواصل الاجتماعي من استبدال "ديكتاتورية علمانية دموية" بدكتاتورية دينية أصولية.
حوالي مليون شخص من سوريا في ألمانيا
في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2024، كان عدد السوريين المقيمين في ألمانيا نحو 974 ألف شخص، كما ذكرت وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية في برلين. وهذا يعني أنَّ الجالية السورية الأكبر خارج حدود العالم العربي تعيش في ألمانيا.
والحاصلون من بينهم على حق اللجوء السياسي يبلغ عددهم نحو 5090 (خمسة آلاف وتسعين) شخصا فقط. بينما يتمتع نحو 321000 (ثلاثمائة وواحد وعشرين ألف) سوري بحق الحماية حسب اتفاقية جنيف للاجئين، وذلك لأنَّهم ينتمون مثلًا إلى طائفة دينية مهددة. ويوجد الآن نحو 330000 (ثلاثمائة وثلاثين ألف) سوري آخرين حصلوا على "الحماية الفرعية" - أي أنَّهم لا يتمتعون بحماية اللاجئين ولا بحق اللجوء.
والكثير من السوريين جاؤوا إلى ألمانيا ضمن سياق لم الشمل الأسري أيضًا. وللمقارنة: مع بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كان يعيش في ألمانيا نحو خمسة وثلاثين ألف سوري فقط.
خبراء الصحة: توجد حاجة ماسة للسوريين
لكن من غير الواضح حاليا كم يبلغ عدد السوريين في ألمانيا، الذين يفكرون الآن فورًا وبجدية في العودة إلى سوريا. وحول ذلك تقول لمياء قدور: "هذا لا يجري بشكل عفوي". وتضيف أنَّ السوريين يستطيعون السفر إلى الحدود التركية السورية: "ولكن من المستبعد للغاية أن يسمح لهم بالدخول".
وترى النائبة البرلمانية عن حزب الخضر لمياء قدور أنَّ نسبة المستعدين للعودة إلى سوريا مرتفعة أكثر لدى السوريين المقيمين في ألمانيا منذ عامين أو ثلاثة أعوام فقط. وتقول: "لكني رأيت للتو في مدينة دويسبورغ شبابًا أعمارهم بين 16 و20 عامًا، ولم تعد توجد لديهم أية ذكريات من سوريا قط".
المستشفيات في ألمانيا بحاجة للسوريين
وكذلك لم يعد من الممكن في ألمانيا الاستغناء عن العديد من السوريين مثلًا في المهن التمريضية والصحية. وحول ذلك قال رئيس جمعية المستشفيات الألمانية، غيرالد غاس، لمجلة "دير شبيغل" الإخبارية في رد فعل أولي: "نحن نفهم أنَّ الكثيرين منهم يرغبون في العودة إلى وطنهم وهناك حاجة ماسة إليهم".
ولكن بحسب غيرالد غاس فإنَّ الأشخاص القادمين من سوريا باتوا يلعبون الآن دورًا كبيرًا في المستشفيات، وخاصة في المدن الصغيرة: "وإذا غادروا ألمانيا بأعداد كبيرة، فسيترك ذلك أثرًا ملحوظًا بأعداد كبيرة في سقف الموظفين".
أعده للعربية: رائد الباش